منى ابوزيد

ذيل الكلب ..!


«… أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض…».. الآية الخامسة والثمانون.. من سورة البقرة..!
ضج العالم كله – وما يزال – بصورة الطفل السوري الذي لقي حتفه غرقاً على الشواطيء التركية، وهي مأساة إنسانية تذوب لها أكثر النفوس غلظة، وتلين لها أشد القلوب قساوة، والطرق المتواصل يدلل بلا شك على دور الإعلام القاطع في الكشف عن مآسي الشعوب..!
الرئيس التركي رجب أردوغان قال «إن السوريين هم المهاجرون ونحن الأنصار، وأي عائلة تركية تستضيف عائلة سورية هي معفية من فاتورة الماء والكهرباء والغاز».. والإعلامي بقناة الجزيرة فيصل القاسم شكر بلادنا حكومة وشعباً على مواساة أبناء شعبه من اللاجئين السوريين قائلاً «إن السودان يستقبل أكثر من ألف لاجيء سوري كل شهر ويمنحهم حق الإقامة والعمل».. وكل هذا جميل ومؤثر ولكن..!
على الجانب الآخر من هذه الحقيقة مآسي إنسانية كثيرة «أزمات طاحنة امتدت من هاييتي إلى الشيشان غض الإعلام الطرف عنها وانشغل بأحداث العراق وكارثة تسونامي وزلزال باكستان».. مجاعات وأزمات غذائية في النيجر.. تطهير عرقي ومجازر عقائدية في بورما.. إلخ .. إلخ ..».. إعلام العالم الأول يضع أجندة أولوياته فتحذو حذوه حكومات وشعوب.. ومع اتساع دائرة المفارقة يتضخم السؤال عن عدالة ونزاهة «الدور الأخلاقي لوسائل الإعلام..!
لعل الفيلم الأمريكي الساخر «ذيل الكلب» المأخوذ من رواية «بطل أمريكي» للكاتب «لاري بينهارت» قد نجح في إبراز هذا المعنى، من خلال أحداثه التي تدور حول اشتراك منتج هوليوود والقائمون على حملة الرئيس الأمريكي في افتعال إعلامي لأحداث حرب كاملة في ألبانيا، وإظهار سجين مختل عقلياً كشهيد وبطل قومي.. إلخ.. للتغطية على فضيحة أخلاقية لرئيس البلاد قبل أربعة عشر يوماً من الانتخابات الأمريكية.. وهي – كما ترى – صورة كاريكاتورية لمظاهر استماتة البيت الأبيض في تلميع صورته الإعلامية أمام الناخب ودافع الضرائب الأمريكي..!
في رسالة الفيلم حكمة تقول إنّ الإعلام سلاح خطير على عدوك إذا أحسنت استغلاله.. خطير في القضاء عليك إذا أسأت استخدامه.. لذا لا مجال أبداً للنزق والعشوائية واللعب على أوتار الصدفة في تقديم الصورة الإعلامية.. فأقل خطأ أو قصور يعني – ببساطة – أن ينصرف المتلقي عنك بقرار حاسم «ضغطة زر» مع العزم الأكيد على ألا يعود..!
منشأ خطورة الإعلام – أيضاً – هو أنّ النجاح فيه يتوقف على «الإقناع» وليست «المصداقية».. فالكذب «المَجيَّه» المُنمق والمدجج بالحجج والبراهين ـ وإن كانت باطلة ـ أحب إلى المشاهد والقاريء والمستمع من الصدق «المجهجه» المتعثّر بضعف الحجة..!
الجماهير على رأي «ألفريد هيتشكوك» – المخرج السينمائي الشهير – «وحوش» تتعاطف مع الصورة الفنية القوية وتسخر من الضعيفة حتى وإن توقفت قليلاً أمام صدقها.. والجماهير بحسب «كريستيان ديور» – أشهر رواد الموضة – هم «الجلادون الأعزاء» الذين يحيا صاحب البضاعة الإعلامية بهم، وقد يموت بردود أفعالهم..!
المحطات الفضائية اليوم هي ساحات الحروب الإعلامية بين الدول من جهة، وهي – أيضاً – ساحات الصراعات السياسية والثقافية والاجتماعية بين شعوب وطوائف الدولة الواحدة من جهة أخرى.. تفوز هذه وتخسر تلك، بمعارك الإقناع التي باتت أشرس حروب هذا العصر..!
بعد كل ذلك، أرجو أن تشاركني الحسرة على مشكلات الفضائيات السودانية التي ما تزال محصورة في المنافسة التقليدية على كسب خيار «الريموت كنترول» وتقديم البرامج المقنعة بجدارتها في مضمار الترفيه والتسلية فحسب.. أمّا المهارة في توجيه دفة الرأي الدولي، أو الأهلية لخوض حروب الإقناع العالمية.. فمآرب ما تزال بعيدة المنال بكل أسف..!
وما يزال الغناء ـ ولا شيء غيره ـ هو سيّد الشاشة.. هو سيّد المساء والسهرة.. هو سيّد الفواصل في البرامج الحوارية.. وهو وسيلة الإعلانات التجارية البائسة لجذب المستهلك.. الإعلام في السودان كله يغني لكسب الجمهور.. والجمهور «كلٌّ يغني على ليلاه».. فهل – يا تُرى – من مُدَّكِر..؟!


تعليق واحد

  1. تحيا ترى لك أخت منى وليتهم يقروا. ويفهموا ما تكتبى لهم لكن الا تدرى ان دائره الاميه الفكريه والسطحيه تملاء بلادنا واصبحت كمن يغرد خارج السرب