تحقيقات وتقارير

الخرطوم بين فكيّ “الأفعوان”


في كل عام من سبتمبر تجد دول العالم الثالث الفرصة في الجمعية العامة للأمم المتحدة لإسماع صوتها للعالم بديلاً عن مجلس الأمن الذي يأخذ المبادرة في الأمم المتحدة طيلة العام. وقريباً من هذا يمضي وزير الخارجية إبراهيم غندور للمشاركة في الجمعية، حاملاً ملفات ظلت بمثابة صداع مزمن، وهو ما يجعل السؤال يعلو حول إمكانية نجاح النطاسي في خلع أسنان الأفعوان الثلاثي الذي دوّخ الحكومة منذ عقود.. الديون والعقوبات وقائمة الإرهاب.
داعم أم مناهض للإرهاب؟
تستند الحكومة السودانية لوعود قديمة، قدم الأزمة نفسها، أطلقتها الولايات المتحدة مع بداية الألفية برفع اسم السودان من قائمة الإرهاب ورفع العقوبات ويمكن الاستدلال بتصريح وزير الخارجية الأمريكي اللأسبق كولن باول في كينيا في أكتوبر من عام 2003 عندما صرح (إن الولايات المتحدة قد تدرس رفع العقوبات المفروضة على السودان في حالة قيام الخرطوم باتخاذ المزيد من الإجراءات لمحاربة الإرهاب فضلاً عن التوصل لاتفاق لإنهاء عقدين من الحروب الأهلية)، وهو ما تم لاحقاً بتوقيع اتفاقية السلام الشامل 2005 .
آخر تقرير للولايات المتحدة والمعني بالدول الراعية للإرهاب جاء حاوياً لاسم السودان. يقول تقرير مكتب مكافحة الإرهاب التابع للولايات المتحدة الموسوم (التقرير القطري للإرهاب 2014) في الصفحة رقم 285 إن “السودان يصنف كدولة راعية للارهاب منذ عام 2003 بسبب تحفظات الولايات المتحدة تجاه السودان بدعمه لجماعات إرهابية دولية”.
على أن الفقرة التالية في نفس صفحة التقرير تشير إلى مفارقة تتمثل في مدح الولايات المتحدة لموقف السودان المتصدي للإرهاب وهو ما يتناقض مع استمرار وضع السودان في اللائحة، حيث يقول التقرير في نفس الصفحة أن السودان ظل شريك متعاون مع الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب ويشير التقرير إلى أن حكومة السودان استمرت طيلة العام الماضي في عملياتها ضد الإرهاب والتصدي للتهديات التي تواجه مصالح الولايات المتحدة ورعاياها في السودان ويلفت التقرير إلى جهود الحكومة السودانية وبنك السودان المركزي بإنشاء وتسمية وحدة التحريات المالية وتزويدها بقوائم الأشخاص والجهات الموجودة بلجنة عقوبات الأمم المتحدة المعروفة (1267) بجانب وضع قانون مكافحة غسيل الأموال.
وطأة العقوبات
وفق أدبيات دولية فإن العقوبات الأمريكية باتت أحد أدوات السياسة الخارجية للولايات المتحدة وتعود بدايات القطيعة الدبلوماسية بين البلدين إلى السابع من فبراير 1996 بإغلاق الولايات المتحدة لسفارتها بالخرطوم ونقل العاملين بها إلى نيروبي، لكن ذروة الوصول إلى مرحلة اللا عودة بين البلدين كانت في الرابع من نوفمبر 1997 بفرض واشنطون عقوبات اقتصادية على السودان بزعم وجود صلات لها بالإرهاب.
العقوبات بدأت بإجراءات تفرضها الولايات المتحدة عبر الجهاز التنفيذي من قبل الرئيس الأمريكي لكنها تطورت لاحقاً لتتحول إلى الجهاز التشريعي من خلال إجازة تشريعات وقوانين. والعقوبات التي يفرضها الرئيس يستطيع رفعها بقرار بيد أن الخطورة في العقوبات التي تفرض بالكونغرس والتي يتطلب رفعها إجراءات من الكونغرس.
فالقوانين التي فرضت بها العقوبات بدأت بالأمر رقم (1367) والصادر في نوفمبر 1997 والذي فرض عقوبات اقتصادية شاملة واضيف اليه رقم (13400) والصادر في 2006 والذي وسع من العقوبات لتشمل افرادا بينما الامر رقم (13412) والصادر في (2006) ركز على حجز الأموال، وأضاف شركات أخرى بيد أن التطور كان في صدور تشريعات من الكونغرس تجاه السودان منها قانون سلام السودان (2002) والذي ربط العقوبات الامريكية بتقدم المفاوضات مع الحركة الشعبية لتحرير السودان بينما قانون سلام السودان (2004) كان قاسيًا لجهة أنه ضمن أوامر العقوبات التي أصدرها الرئيس ضمن القوانين التي أقرها الكونغرس واستمر الكونغرس في فرض مزيد من القوانين منها قانون وسلام دارفور (2006) بجانب قانون المحاسبة ونزع الاستثمار (2007) الذي تتمثل مساوئه في فرض العقوبات على الشركات غير الامريكية والتي تعمل بالسودان من خلال الضغط على الخمسين ولاية أمريكية لسحب أسهم صناديق معاشاتها ورعايتها الاجتماعية من تلك الشركات أو الشركات الأجنبية التي لديها عمل استثماري اقتصادي بالسودان.
رفعت الولايات المتحدة بعض القيود والعقوبات منها الأدوية ومجالات التعاون الجامعي ونظم ومعدات الاتصالات لكن لا يزال السودان يعاني من وطأة العقوبات الأمريكية.
غرس الماضي مرارة المستقبل
مثلما ينمو أفعوان (الأناكودا) بمرور الأيام فإن الدين الخارجي للبلاد بدأ بسيطاً وسرعان ما تفاقم ليصل إلى أضعاف الدين الأصلي، وديون السودان ترجع إلى حقبة سبعينات وثمانيات القرن الماضي مع زيادة خطط نظام النميري بتحويل السودان إلى سلة غذاء العالم، وحسب إحصاءات رسمية محلية وعالمية فإن الدين الخارجي واصل ارتفاعه وبلغ حوالى (43.8) مليار دولار بنهاية عام 2013م، وفي الأصل كانت ديون السودان (17.7) مليار دولار بنسبة 40% من إجمالي حجم الدين القائم وهو ما يعني أن جملة الفوائد التعاقدية والتأخيرية من التوقف عن سدلد الدين وصلت الى حوالي (26.1) مليار دولار وهو ما يعادل 60% من إجمالي الدين.
النظرة الأولية لديون السودان تشير إلى الديون التابعة للدول غير الأعضاء في نادي باريس يبلغ (16.3) مليار دولار بنسبة 37% من إجمالي الدين بينما ديون أعضاء نادي باريس تبلغ (14.1) مليار بنسبة 32% من الإجمالي، وتذهب نسبة 13% من الديون إلى البنوك التجارية العالمية بمبلغ (5.6) مليار، ونسبة المؤسسات الاقليمية والدولية في ديون السودان تصل إلى 13% بمبلغ (5.7) مليار دولار، بينما النسبة المتبقية والتي تبلغ 5% تذهب لصالح تسهيلات الموردين الأجانب بمبلغ (2.1) مليار دولار.

التيار