منى ابوزيد

عش في خطر ..!


«الحياة ليست نصراً .. الحياة مهادنة مع الموت» .. غسان كنفاني ..!
(1)
امرؤ القيس شاعر عظيم، لكنه عاشق (مستهبل)، خرق قواعد الإتيكيت العاطفي عندما ذكر التعدد في مقام التَّوحُد، يوم أن وقف على أطلال حبيبته فاطمة قائلاً (قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل)، فـ مقام المشارفة على الهلاك أسىً وبكاء، لا يقبل فكرة الشراكة (الاستبكاء)، والوقوف على أطلال الحبيبة له طقوس عاطفية أدناها الاقتصار على ذكرها دون سواها، في لحظات التدفق العاطفي على شرفها..!
فالحب الحقيقي – بعيداً عن فكرة التعدد كسلوك أو نزعة فطرية عند الرجال، وبعيداً عن كونه رخصة شرعية عند القائلين بأن الأصل هو الإفراد، أو كونه حقاً شرعياً عند القائلين بأن الأصل هو التعدد – يبقى عاطفة غير ديموقراطية، ويظل حالة وجدانية لا تقبل القسمة على ثلاثة ..!
(2)
الرجال دوماً متمردون، باحثون عن الجديد في ملامح وتضاريس الأخريات، والنساء – أبداً – متربصات بعيون أزواجهن وبمفاتن الأخريات، ومابين الخيانة الـ (عديل)، والمسير بإذعان على صراط الإخلاص، منطقة وسطى قابلة للقسمة على ثلاثة بمفهوم الرجال، وغير قابلة للنقاش بعاطفة النساء، منطقة وعرة، زاخرة بالمزالق – حالة فنية غنية بالاحتمالات – اسمها (طيارة العين) ..!
تلك (الجُنحة) الشائعة مكان ارتكابها عند «حدود العقل»، وفي المنطقة المتاخمة لـ شغاف القلب، فما أن تتم ترقية المرأة من شريكة وجدان، رنت العين نحوها يوماً، إلى رفيقة مشوار – بات في حكم المرجح أن تزوغ العين عنها أحياناً – حتى تتحول إلى جندي حراسة برتبة جنرال، فتمعن في الشك والحصار، وتتهم الحبال بأنها ثعابين، وتخاف الشوربة فتنفخ في الزبادي، وبذلك يتحقق المحظور وتنجح في إتقان دورها التاريخي في مسرحية النكد ..!
(3)
ما أسكر كثيرُه فقليله حرام، عند هذه الفلسفة الشرعية تلتقي طيارة العين بـ شرب الخمر، فكلاهما يخرج بالعقل في نزهة محفوفة بالمخاطر، وكلاهما يلتقيان – في الإسلام – عند مبدئية الحكم الشرعي وفلسفة الأسباب، فكلاهما محرم من حيث المبدأ، وكلاهما ضرره أكبر من نفعه .. شرب الخمر من كبائر الإثم التي تستوجب إقامة الحد في الدنيا واستحقاق العقاب في الآخرة، وطيارة العين ذنب يدخل في قبيل اللمم – أو صغائر الذنوب – وبعد وقوع كلاهما تذهب السكرة وتأتي الفكرة ..!
(4)
الفيلسوف الألماني نيتشة قال إن من أراد أن يتذوق طعم الحياة، فيسعد، عليه أن يعيش في خطر، لكن عالم الزوجات هو الاستثناء الذي يؤكد تلك القاعدة الفلسفية، فما أن تدخل أحدانا من باب القفص إياه حتى يتوسدها القلق وتسكنها الهواجس، وتبدأ فصول أطول وردية حراسة في التاريخ، أما لماذا التعاسة فلأن التمرد على تلك الحراسة هو هواية حبيبها المحروس، الذي يكره لامبالاة المرأة، لكنه يكره حصارها أكثر، ولئن سألتني عن الوضع الذي يرضيه ويسعدها في آن معاً، سأجيبك بشيء على غرار الرقص على السلالم، وربما كان هذا – الضبط – ما عناه الأخ نيتشة بمقولته (عش في خطر) ..!