الطيب مصطفى

كلمات في حق الصوفية


من لحظات السعادة التي غمرتني ولا تزال عالقة بذهني ذلك الإفطار الرمضاني الجامع الذي شهدته قبل نحو ثلاثة أعوام في حضرة شيخي الخليفة الطيب الجد ود بدر في أم ضواً بان، فقد قدمت إلى العالم الكبير لوحة ضمنتها مقالاً لي حول موقف الرجل إبان الزيارة التي قام بها القائم بالأعمال الأمريكي لحضرته وكيف حاضره باستعلاء المؤمن عن الظلم الأمريكي للسودان وللمسلمين في شتى أنحاء العالم، وكان أكثر ما لفت نظري في تلك الواقعة أن الشيخ لم يتحرك من مكانه ليودع الدبلوماسي الأمريكي وكتبت وقتها عن العزّة التي تجسدت في سلوك الشيخ الجليل الذي لم (تخلعه) عظمة أمريكا الممثّلة في رجلها الأول في السودان ولم تأخذ لبه وتجعله (يتجارى) مهرولاً لاسترضاء الرجل الذي لا يأتي في العادة إلا محمّلاً بالهدايا وربما تذاكر السفر لزيارة (الحلم الأمريكي) الذي يراود الكثيرين ممن يرون في أمريكا الفردوس الأعلى انبهاراً بحضارتها المادية المهيمنة على العالم.
أقول هذا بين يدي مقال نشره الأخ صلاح الخنجر الذي أنتهز هذه الفرصة لأناصحه، فقد كتب الخنجر مقالاً متجنياً عليّ ومهدداً ومتوعداً لا لسبب إلا لأني انتقدتُ سلوكاً للسيد محمد عثمان الميرغني، وأعجب أن الخنجر هذا نصب نفسه مدافعاً عن كل من ينتمي إلى طريقة صوفية، معتبراً كل منتسب إلى أي من الطرق الصوفية معصوماً لا ينبغي أن يتعرّض له أحد بكلمة حتى ولو كان يتعاطى السياسة ويخبّط فيها خبط العشواء، مستدبراً الدين وما يحض عليه من قِيم ومبادئ.
خذ مثلاً موقفنا من السيد محمد عثمان الميرغني عندما كان رئيساً للتجمع الوطني الديمقراطي قبل توقيع اتفاقية نيفاشا متحالفاً مع جون قرنق وقوى الإجماع الوطني التي يغلب عليها اليساريون من أمثال فاروق أبو عيسى والشيوعيين والبعثيين خاصة عندما احتل قرنق همشكوريب حاضنة القرآن الكريم التي كان أول ما فعل أن أطفأ فيها نار القرآن واعتقل الحفظة وتلاميذ القرآن وقتل بعض شيوخهم وكان قرنق وقتها يروِّع شرق السودان، ولطالما هجم على مدينة كسلا وقطع طريق بورتسودان، وأكثر ما يؤلم أن قرنق كان (يبرطع) في منطقة نفوذ الميرغني، وفي منطقة يدين كثير من سكانها للطريقة الختمية التي منح زعيمُها الشرعية لقرنق ليفعل ما فعل بالقرآن الكريم وليروِّع سكان شرق السودان.
ذلك مما انتقدنا فيه الميرغني من بين تصرفات أخرى كان يقوم بها منذ أن وقّع اتفاقية الميرغني قرنق عام 1988م قبل الإنقاذ والتي وافق فيها على إلغاء الشريعة الإسلامية.
لا أجد سبباً يجعل الخنجر ينصر الميرغني ظالماً أو مظلوماً، غير أنه زعيم الطريقة الختمية حتى وإن ارتكب مخالفات شرعية نقض بها ما استقر عند جمهور العلماء من فقه الولاء والبراء باعتبار أن قرنق كان حتى مصرعه محارباً لله ورسوله.
لو كان القرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم يجيز كل شيء لما قال سيد ولد آدم (يا فاطمة بنت محمد إني لا أغني عنك من الله شيئاً)، ولدخل أبو طالب عم الرسول الخاتم وحاميه من بطش قريش والذي سُمي عام وفاته بعام الحزن الجنة ونجا من النار.
يوم دخل الميرغني في مضمار السياسة أصبحت أفعاله محسوبة خاصة ما يتعلق بسلوكه الشرعي أما أن يدافع الخنجر عنه فقط لأنه زعيم طريقة صوفية بل ويتهمني بأني عدو للصوفية أجمعين لمجرد نقدي لسلوك الميرغني فإنه من الغلو الشنيع والخطأ الفادح فالميرغني ليس منزهاً ولا يأثم من يناصحه ويراجعه ويهاجمه خاصة عندما يرتكب مخالفات شرعية. وليتك تتذكر قوله تعالى “إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ ، وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ).
لن أتعرَّض لسلوك الميرغني السياسي عقب دخوله الحكومة، فقد كتبتُ عن ذلك كثيراً، أما تقبيل يده من قبل طفل صغير فمما لا أستسيغه، وهذه قناعة شخصية لا أُلزم بها الخنجر ولا يجوز له أن يلزمني بها، ويعلم الله إني قبّلت رأس الخليفة الطيب الجد عندما زرته في مسيده احتراماً وتوقيراً لأن الرجل يستحق ذلك ولا أزكيه على الله.
الخنجر سبق أن شن عليَّ هجوماً لأني انتقدت الشيخ أزرق طيبة عندما استقبل عدو الله باقان الذي زاره في صحبة ياسر عرمان، وكانت الصحافة قد أوردت تلك الزيارة، بل وقال الخبر إن الشيخ أزرق طيبة اجتمع مع باقان وعرمان ووفد الحركة الشعبية وتطابقت وجهتا نظرهما وكوَّنا لجنة تنسيق لمتابعة ما تم الاتفاق عليه، وخرج باقان من ذلك الاجتماع متوشحاً بشال الطريقة العركية ورقص مع المريدين في صحبة شيخ أزرق طيبة وصور باقان بتلك الهيئة!
كتبت وقتها مغاضباً وناقداً لسلوك الشيخ أزرق طيبة سيما وأن الحركة الشعبية كانت خلال تلك الفترة الانتقالية تعمل على إقصاء الإسلام وشريعته من حياتنا، ومعلوم موقفها عندما اعترَضَتْ من خلال الرويبضة عرمان حتى على إيراد البسملة في صدر الدستور الانتقالي.
قبل نحو عام زارني الأخ يوسف محمد زين القيادي بالحزب الوطني الاتحادي، وكشف لي أن أزرق طيبة لا صلة له بباقان أموم، وكشف بعض المعلومات حول دور دعوي كبير يقوم به الرجل، وتصديقاً للأخ يوسف كتبتُ مقالاً طيباً عن ذلك اللقاء وعن الشيخ أزرق طيبة..
أقول للخنجر إنني مسمى على الشيخ أحمد الطيب ود البشير، وزرتُ أم مرحي وصعدتُ إلى الغار الجبلي الذي كان الشيخ أحمد الطيب يتعبَّد فيه في صحبة والدي رحمه الله، وشيخي العلامة محمد علي بيان رحمه الله، ويعلم الشيخ البروف حسن الفاتح قريب الله عن تلك العلاقة وكنتُ أزوره، وقد زارني عند استشهاد ابني أبوبكر.
وأختم بأنه لولا ضيق المساحة لأفضتُ لكني أقولها إني أبتغي فيما أكتب وجه الله إن شاء الله، وتأكَّد أيها الخنجر أن ذلك منهجي لن أغيِّره وسأظل أنتقد من أراه مخطئاً خاصة أولئك الذين يتسربلون بالدين ويسلكون سلوكاً مخالفاً سواء كانوا من المتصوفة أو من غيرهم. أما مقاطعة “الصيحة” أو تخويفي من أهل الليل فهو مما يُضحِك بحق!.


تعليق واحد

  1. الطيب مصطفي ، هذا الرجل الصادق النقي يكتب ما بقلوبنا ويسعدنا