عبد الباقي الظافر

تحرير شوارع الخرطوم..!!


ذات مساء كنت عائداً لمنزلي بعد أمسية عمل مرهق.. فجأة لاح أمامي شبح مواطن يطلب مني التهدئة وتغيير مساري.. استغربت لأنني كنت أقود سيارتي في شارع حكومي معبد.. المهم بعد الاطمئنان أدركت أن المواطنين في ذاك الحي الشعبي قرروا بناء متاريس عائقة للحركة.. منطقهم أن حوادث السير تعددت في ناحية سكنهم فأحضروا ذات ليلة خرصانة وأسمنت وأعلنوا حالة الاستنفار الشعبي.. المطبات الشعبية الآن تواجهك في أرجاء عديدة من المدينة.. بل ربما تتلف سيارة مواطن غير ملم بخارطة الطريق الأهلية.
أمس أعلن وزير البنية التحتية بولاية الخرطوم فتح مسارات في طرق رئيسة كانت تحتلها مؤسسات حكومية.. الخبر ليس في تحرير هذه الشوارع التي احتلتها الحكومة بوضع اليد.. ولكن الخبر أين كانت الحكومة كل هذا الوقت.. لماذ تم تعطيل القانون لفترة طويلة من الزمن.
كنت ألاحظ دائماً في شارع الجامعة ما قبل النفق من الناحية الشرقية آثار عسكرية تعيق حركة عبور السيارات والمشاة.. المؤسسات العسكرية الموجودة وفي سبيل تأمين أفرادها ومقارها تلجأ الى وضع علامات بلاستيكية وأخرى حديدية تطبيقاً لقاعدة ممنوع الاقتراب.. ليس المؤسسات العسكرية وحدها.. الآن مجلس وزراء بلادي يحتل شارع الحرية المفضي إلى شارع النيل.. ربما لدواعٍ أمنية يمنع مرور عامة الناس في رابعة النهار.. ولكن أين المنطق الذي يمنع السير بشارع الحرية في عز الليل.. القصر الجمهوري الذي يرمز للسيادة لا يمنع سير العربات في واجهته المقابلة للنيل.
سأترك الحكومة صاحبة اليد القوية.. كثيراً ما أشاهد مناسبة اجتماعية تقطع شارعاً رئيساً في الخرطوم.. سألت عن حكاية «صيوانان» المناسبات التي تتربع على الشوارع المهمة.. حدثني خبير أن هذا الاحتلال يتم تحت بصر وسمع الحكومة.. كل ما نحتاجه تصديق مقابل مبلغ معلوم وبعدها يمكنك أن تنصب سرادق الفرح في شارع الجمهورية.. الغريب أن حالة الاحتلال هذه لا علاقة لها بضيق المساحات، وذلك لأن بالإمكان اللجوء إلى أي فسحة قريبة.. بل الاحتلال تعبير عن القوة المادية والعلاقات المتشعبة.
في تقديري.. أمام الفريق عبدالرحيم محمد حسين فرصة لتسجيل مجد تاريخي.. هذا الرجل شق طريقاً أمام القيادة العامة أسهم في انسياب الحركة إلى شرق الخرطوم.. لم يكن ذلك الأمر باليسير لأنه استقطع جزءاً من مساحات القيادة العامة للجيش وحولها لشارع يخدم الملكية من أمثالنا.. الآن الفريق وجنرالاته في وضع جيد يمكنهم تجفيف كل المراكز العسكرية في وسط العاصمة.. الفريق عبدالرحيم بإمكانه أن يدير حواراً منطقياً مع أبنائه وإخوته في الجيش ليضع هذه المراكز في أماكن طرفية تناسب خصوصية المؤسسة العسكرية.
بصراحة.. مطلوب بسط هيبة الدولة وتحرير كل الشوارع المحتلة.. من واجب وزارة البنية التحتية أن تراجع المطبات الشعبية غير المطابقة للمواصفات وتزيلها على الفور.. تطبيق المخطط الهيكلي للخرطوم فرض عين.. نحن نحلم بعاصمة تشبه عواصم الدنيا.