عبد الجليل سليمان

العجز عن ترويج التاريخ والآثار


في الوقت الذي أعلن فريق دولي من العلماء، الخميس 10 سبتمبر، اكتشاف بقايا عظام لنوع قديم من الجنس البشري غير معروف حتى الآن في كهف في جنوب أفريقيا، كشف محمد سليمان رئيس بعثة الهيئة العامة للآثار والمتاحف السودانية العاملة في (بربر) عن اكتشاف مقابر أثرية لطبقة أرستقراطية عليا على طريق بربر أبو حمد تعود للفترة المروية (القرن الأول قبل الميلاد إلى الثاني بعد الميلاد).
المقابر المكتشفة تحوي برونزيات وأواني زجاجية وقطعاً أثرية مصنوعة بشمال البحر الأبيض المتوسط، ما يشبر إلى أنها (المقابر) تعود إلى طبقات ارستقراطية، وأن البعثة اكتشفت بجانب ذلك نوعاً جديداً ونادراً من المسطبات المشيدة من الطوب الأخضر كمبانٍ فوقية لتلك المقابر.
فريق العلماء الدولي إلى جنوب أفريقيا قال إن المغارة تحوي عظاماً يعود إلى لنحو 15 شخصا، ينتمون إلى جنس بشري غير معروف إلى الآن.
وبحسب جامعة ويتواترساند في جوهانسبورغ وناشونال جيوغرافيك سوسايتي ووزارة العلوم في جنوب أفريقيا، فإن هذا النوع من الجنس البشري القديم يعرف بـ (هومو ناليدي) وهو من الفئة نفسها (هومو) التي ينتمي إليها الإنسان المعاصر (هوموسابيان).
وبحسب صحيفة (لوموند) الفرنسية، ناسبة مقتسبة من مقال للعالم (جون هوكس) نشر في مجلة (إي لايف) العلمية، فإن هذه البقايا المتحجرة تشير إلى أن أفراد هذا النوع كانوا بأدمغة صغيرة بحجم برتقالة وقامات رشيقة، وكان متوسط طولهم متر ونصف المتر، ووزنهم 45 كيلوغراما، وأن أقدامهم الطويلة توحي بأنهم كانوا يمشون مسافات طويلة.
وتساءل الباحثون عن الأسباب وراء دفن هذه العظام في حجرة عميقة من المغارة يتطلب الوصول إليها اجتياز نفق ضيق جداً، بحيث لم يتمكن من دخولها إلا ذوو القامات الصغيرة من الباحثين. ومن الفرضيات التي قدمها العلماء لتفسير وجود هذا المدفن الجماعي في هذا المكان هجوم لحيوانات مفترسة غير معروفة، أو وفاة مفاجئة أو وقوع في كمين.
لكن الفرضية الأرجح برأي (لي برغر) الباحث في جامعة (ويتواترسراند) أن هذه الجثث وضعت في هذا المكان عن قصد، وهو سلوك مذهل من نوع بشري بدائي.
بطبيعة الحال، إننا أمام اكتشافات ماضية بثبات نحو إحداث انقلابات مفاهيمية وعلمية هائلة، تتعلق بأصول ونشأة الجنس البشري وتطوره، حيث أن تلك العظام الخاصة بجثامين مدفونة في مغارة بجنوب أفريقيا يعود تاريخها لنحو (مليوني) عام، فيما يتحدث محمد سليمان رئيس بعثة الهيئة العامة للآثار إلى بربر عن مقتنيات مستوردة (مصنعة) في البحر الأبيض المتوسط في القرنين الأول قبل الميلاد والثاني بعده، وجدت في مدافن بربر، ما يشي بأنه كانت هنالك علاقات إنسانية وتجارية بين سكان هاتين الناحيتين.
للأسف، نحن لا نُحسن الإعلان عن اكتشافاتنا الأثرية والتاريخية، فحين نكتشف أطيافاً نهرول بها إلى مؤسسة إعلامية محلية لا يعرفها حتى السودانيين (SMC)، فيما تستدعي بقية الدول مثل مصر، جنوب أفريقيا، وإثيوبيا كافة الوكالات والفضائيات والصحف العالمية الأخبارية والمتخصصة، ألم يكن بإمكان الهيئة العامة للآثار والمتاحف السودانية تقديم الدعوة إلى الفضائيات والصحف الدولية العاملة بالسودان مثل (الفرنسية 24، بي بي سي، روسيا اليوم، الشرق الأوسط) وخلافها؟