منى ابوزيد

نحن لسنا كذلك ..!


«إياك والخلط بين الحركة والفعل» .. آرنست همنجواي..! (1) تصريحات بعض المسؤولين عن محاربة الفساد لا تقتضي ردة فعل أكثر من تلك التي تعقب تأخير الخبر في جملة اسمية، لا يؤثر تقديمه أو تأخيره في وضوح معناها.. كل ما تفعله بعض التصريحات هو إعادة صياغة وجهة نظر هذا الشعب في نتائج سياسات هذه الحكومة التي كانت- وما تزال- تبخس الكوارث الاقتصادية حقها في ظل واقع اقتصادي هو أقرب إلى وضوح مراحل السرطان منه إلى فوضى إصابات العمل! .. سلحفائية معارك محاربة الفساد تتنافى مع أول مبادئ إدارة الأزمات، والحلول الاقتصادية ما تزال حفنة إجراءات تعسفية لتوسيع دائرة الجبايات والمكوس والتفنن في اختراع الرسوم الباهظة عن كل شهقة، أو حركة، أو إيماءة، تصدر عن كل مواطن، على أن لا ينتقص ذلك شيئاً من حرص الحكومة على مظاهر البذخ في كل وجوه إنفاقها.. خبراء الاقتصاد يقولون إن حوالي ثمانين بالمائة من أداء الحكومات يرتبط بمدى توفر القيم الأخلاقية في مؤسساتها، لكن ذلك يبدو أبعد ما يكون عن سلوك حكومة تعلم أن انخفاض النمو الاقتصادي هو الوجه الآخر لزيادة الإنفاق العسكري، وأن الصرف على جهاز الأمن والمخابرات لا يجب أن يؤثر في زيادة الإنفاق على الزراعة والصحة والتعليم، لكنها- رغم ذلك- تحرك ساكناً ..! (2) نحن في السودان نفاخر بتفوقنا على المصريين على مسرح التعايش الديني وحق لنا ولكن! .. قبل أن نقارن بين التسامح الديني بين البلدين يجب أن نتعلم من جيراننا فن التعايش الاجتماعي في نسيج واحد يرفض النعرات الإثنية وينبذ العصبية القبلية، وهذا في تقديري هو الأخطر والأهم.. الزعامات الدينية في مصر تستطيع لو نجحت في تأثيم العنف الطائفي أن تفرض التسامح الديني كسلوك مشترك في عبادة الرب الواحد، وإذا صاغت مصر واقعاً جديداً يعطي الأقباط حقوقهم في حجم الممارسة السياسية وصورة العدالة الاجتماعية، فالخطر إلى زوال، ولكن مشكلة العنصرية- التي أتلفت صميم ثقافتنا الاجتماعية- تكمن في نسبية المبدأ، وتدرج شيوعه حتى بين أبناء الإقليم الواحد.. لذا فالعنصرية أخطر من الطائفية، بدليل حالنا معها، وحالهم بدونها ..! (3) ذات هواء سياسي عليل قال أحد الولاة السابقين إن بقاء الأنظمة مرتبط بإسعاد الجماهير، وأقسم على تقديم استقالته من منصبه إذا تمكنت المعارضة من إخراج تظاهرة جماهيرية قوامها نصف الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم لاختياره والياً، ثم أكد أن الحكومة نفسها ستسلم السلطة إذا تأكد لها أن ستمائة وخمسين ألف مواطن غير راضين عن أدائها.. طيب!، لو كان بقاء الأنظمة مرتبطاً باسعاد الجماهير لما تم تصنيفنا من أتعس شعوب الأرض، وبما أننا في السودان- ولسنا في السويد! – فلا فشل المعارضة في حشد الجماهير مؤشر، ولا نسبة التصويت لرموز المؤتمر الوطني في الانتخابات مقياس، في ظل مناخ سياسي نجح في تحويل المعارضة إلى «مطاردة»، وهو الآن يتفنن في تحويل السلطة الرابعة إلى «راكعة»..!