حوارات ولقاءات

“ابن البادية” ملك الإحساس في حوار مختلف:


ضيفنا لا يحتاج لمقدمات، فهو من جيل العمالقة الذين وصلوا إلى مقام النبوغ والعبقرية بأعمالهم الغنائية التي منحتهم بريق التميز والنجومية.. صوت سوداني مميز لا تخطئه آذان ويدخل القلوب دون استئذان، لكونه يغني بإحساس مفرط يصل بالمستمع إلى قمة النشوة والطرب.. إنه “صلاح بن البادية” وكفى.. أسمى الناس خصال وإبداعاته آية من الجمال.. فالي مضابط حوارنا معه

{ بدا كيف تنظر للحال الذي وصل إليه الفن؟!
–    الفن في السودان حاله كحال الفنون في جميع الدول العربية بل وفي كل العالم، هناك متغيرات سريعة طرأت على أحوال الفنون وأصبح هناك تدنٍّ وهبوط واضح في مستوى الأعمال الإبداعية في كل المجالات.
{ وكيف ينصلح الحال؟!
–    الأمر يحتاج لتضافر وتكاتف جهود كل المنتمين للكيانات والفعاليات الثقافية والفنية، بالإضافة لوقفة من مؤسسات الدولة المعنية بأمر الثقافة والفنون.
{ ماذا تقول في سيل المطربين الذي يطالعنا كل يوم ؟!
–    الآن أصبح بإمكان أي شخص أن يغني، ويمكن لصديقه أن يكتب له الأغاني، وتوجد القنوات التي تعرض لهم أعمالهم هذه، ولكن كل هؤلاء لن يستمروا لأنهم لا يتجاوزون كونهم ظاهرة تأخذ وقتها ثم ينساها الناس لينشغلوا بغيرها.. دعوهم يعبروا عن أنفسهم ومع الوقت سيميز الناس بين الرديء والجيد.
{ ألا ترى بأن الهابط يؤثر سلباً على الفن الحقيقي؟
-أبداً.. الجمهور واعٍ جداً ويعرف ما هو الفن الذي يستحق الاحترام والتقدير، وفي النهاية التجارب الجادة هي التي تفرض نفسها.
{ الجمهور لم يعد يميل إلى الأغاني الأصيلة؟!
–    هذا غير صحيح المستمع السوداني ما زال بخير وما زالت أذنه نظيفة، وهو دائماً ما يواكب الأغاني الجادة ويتفاعل معها ويحفظها عن ظهر قلب، بل ويرددها مع أصحابها من الفنانين.
{ ما السر بقاء الأغنيات القديمة؟
–    الأعمال الغنائية القديمة أو الأصيلة عاشت وخلدت لسبب بسيط، وهو أن كل أهل الفن زمان كانوا يلتزمون بمعيار الجودة الشاملة، الشاعر يكتب القصيدة بانفعالات صادقة، والملحن يجتهد بدوره في وضع اللحن المناسب بعد أن يتعايش مع الأحاسيس والمعاني التي تتضمنها القصيدة، وبعد ذلك يأتي المغني ليوثق للكلمة واللحن عبر الأداء الصوتي المعبر.. وفي زماننا نحن كنا كثيراً نأخذ بآراء بعضنا بعضاً، مثلاً في أحد الأيام صادفت بروفة لـ”وردي” في اتحاد الفنانين وكانت البروفة لإحدى أغنياته الكبيرة، وأذكر أنني أبديت ملاحظتي لـ”وردي” في (لزمة) موسيقية معينة طالبته بتغييرها، وبالفعل عمل بمشورتي وأجرى تعديلاً في (اللزمة)، وبعد أن فرغ من البروفة جاءني مداعباً، وقال لي: “خلاص يا ود البادية غيرنا ليك (اللزمة) القلتها عشان ترتاح”.. وهكذا كانت الأوساط الفنية والورش الفنية لا تخلو من مشاورات وملاحظات، وكل هذه الأشياء ساهمت في تمتين الأغنيات وجعلها صالحة للأداء في أي زمان.
{ انتشار الأغاني الهابطة سببه غياب الكبار وقلة إنتاجهم؟!
–    هذا الكلام غير صحيح، الفنانون الكبار موجودون وإنتاجهم مستمر وبذات الجودة.. ولكن سبب ظهور تلك النوعية من الأغنيات الرديئة أن غالبية المطربين من الجيل الحالي أتوا إلى الساحة بدون هدف وبدون رؤية فنية، وأغلبهم جاءوا إلى الساحة الفنية باندفاع الشهرة الرخيصة والكسب المادي السريع.
{ بماذا تميزتم كجيل؟!
–    ما يميزنا كجيل أننا منذ دخولنا للوسط الفني كنا مدركين لقيمة الفن ورسالته وتحملنا مسؤولية الحفاظ على الإرث الفني الذي تركه لنا من سبقونا في هذا المجال، وظللنا نهتم بمكانة الفن وبقينا على هذا الحال نسعى دائماً لأن نكون قدر مسؤولية الفن ورسالته.
{ طريقتك في الأداء تقود المتلقي للاندماج الكامل.. هل تكون بالفعل في حالة معايشة صادقة.. أم هذا مجرد أداء تمثيلي خاصة أنك درامي من الدرجة الأولى؟
–    “صمت قليلاً” ثم قال: أولاً كون المتلقي أو المستمع يصل معي إلى درجة من الاندماج الكامل مع حركتي في المسرح، فهذه نعمة أحمد الله عليها كثيراً.. أما بخصوص سؤالك عن حقيقة معايشتي للأغنية التي أؤديها فهي حقيقية، وليس فيها اصطناع أو تمثيل.. وأنا أعطي كل أغنية حقها في الأداء والمعايشة، بل أؤدي كل كلمة بإحساس معناها، وأعتقد أن هذا هو دور المطرب أو المغني أن ينقل أحاسيس الأغنيات وتفاعلاتها بكل صدق للجمهور.
{ صف لنا إحساسك وأنت تقف لأول مرة أمام الجمهور؟!
–    نعم ما زلت أذكر هذه اللحظة جيداً.. اللحظة التي وجدت نفسي أقف فيها لأول مرة أمام الجمهور كان ذلك في العام 1959م في (المسرح القومي)، وبعد إصرار وإلحاح المشاركة من الأستاذ “محمد عامر بشير فوراوي” وزير الاستعلامات في ذلك الوقت الذي سمع صوتي في إحدى الجلسات الفنية الخاصة، وأصر أن يقدمني لجمهور المسرح.. وأذكر عندها شعرت برهبة وخوف شديدين، وكنت أرتعش من الداخل قبل أن أبدأ الغناء، ولم أكن أتخيل يوماً أني سأغني أمام جمهور بهذه الكثافة.. وأي جمهور، الجمهور في ذلك الوقت كان هو الذي يحدد مصيرك كمطرب ويعطيك شارة النجاح للاستمرارية أو يعلن فشلك ونهايتك، وكانت هناك مقولة يتداولها خبراء الوسط الفني بخصوص مواجهة الجمهور.. تقول “الجمهور يا صفق ليك ويا صفر ليك”!! بمعنى إذا تجاوب معك الجمهور تأتي ردة فعله إيجابية بالتعبير عن طريق التصفيق وبهذا تكون تخطيت الامتحان بنجاح.. أما إذا لم يتجاوب معك الجمهور فيستنكر أداءك ويطالبك على الفور بالرحيل عن طريق “الصفير” أو “الصفافير”..!
وكيف تخطيت هذا الامتحان؟
–    الحمد لله منذ اللحظة التي أطلقت فيها صوتي تفاعل معي الجمهور وبصورة لم أكن أتوقعها على الإطلاق.. صفقوا لي بطريقة اهتزت لها أركان المسرح.
{ هل تذكر الأغاني التي قدمتها وقتها؟
–    نعم أذكر غنيت ثلاث أغنيات هي (الأوصفوك) و(خاتمي العاجب البنوت) و(الليلة سار يا عشايا)، وبعدها قمت بتسجيل هذه الأغنيات لإذاعة أم درمان ولإذاعة لندن الـ (BBC)..

{ الآن هل تشعر بأن الجمهور ينتظر جديدك على الدوام؟
–    هذا بالفعل ما أحس به وأشعر به جراء لهفة الناس وسؤالهم الدائم لي “ما في شي جديد؟”، كما أعود وأشعر به عندما أقدم عملاً جديداً، ومنذ بداياتي في مجال الفن أشعر بأن جمهوري يتتبع خطواتي الفنية بدقة ويبدون آراءهم، بل وتصلني ردة فعلهم بصورة مباشرة وأحياناً أقرأها في تعبيراتهم المختلفة.

 

المجهر السياسي


‫2 تعليقات

  1. فعلا فنان جميل فى الزمن الجميل وجيلهم جيل الكلمه الراقية واللحن الخالد والمتفرد وقل ما يجود الزمان بمثلهم ،، متعك الله بالصحه يا ابن الباديه