صلاح حبيب

اللص الظريف!!


دافع اللص دائماً السرقة، وأحياناً تقوده إلى استخدام العنف ضد من ذهب لسرقته إذا كانت هنالك مقاومة من الطرف الآخر. ويقال إن اللص قلبه كبير، فحينما يهم بسرقة منزل أو عربة بداخلها مال يضع دائماً خطة لمخارجته، لذلك عندما تفشل خطة المخارجة يضطر إلى استخدام العنف الذي يؤدي إلى الموت في الغالب، وكم من حادثة سرقة تحولت إلى قتل، والأمثلة كثيرة وصفحات الجريمة مليئة بمثل تلك الحوادث، وكذلك المحاكم التي تنظر في قضية قتل كان دافعها السرقة.
واللص يلجأ إلى السرقة عندما تضيق به الحياة، وتتحول السرقة الأولى بعد ذلك إلى مهنة.. لكن هل اللصوص لهم عاطفة أو رحمة أو رأفة بالذي يسرقونه؟ ربما يكون الجانب الإنساني عندهم قليلاً، لكن انظروا إلى هذا اللص الظريف الذي أعاد ما سرقه.
زميل الدراسة منذ القاهرة الأستاذ “محمد آدم إبراهيم” يعمل الآن بالضرائب التقيته منذ أن تخرجنا تقريباً مرة واحدة، والمرة الثانية التي جاءني اعتقدت أنها زيارة عادية، لكن كان دافعه نشر خبر متعلق بسرقة جواز سفره الإلكتروني مع تذكرة ذهاب وإياب إلى القاهرة، ونشرنا الخبر، لكن لا حياة لمن تنادي لم يعثر عليه أحد ولم يقع في عين “ولد حلال” أو تم الاتصال على رقم الهاتف الذي وضع مع الخبر.. وظل الأخ “محمد” يترقب أن يعود إليه جوازه، لكن بدون فائدة، وإجازته بدأت في التناقص يوماً بعد يوم وإجراءات استخراج جواز جديد تتطلب أن تذهب لإبلاغ الشرطة ومن ثم حمل البلاغ ورقمه إلى الصحيفة وبعد النشر تعيد الكرة من جديد لتبدأ إجراءات جواز بدل فاقد.. ومضت الأيام وصاحبنا “محمد” في انتظار من يتصل ليبلغه بعثوره على جوازه.
انتهت إجازته وعاد إلى عمله بالخرطوم وألغى زيارته إلى القاهرة، بالأمس ودون أي مقدمات، اتصل بي ليلغني أنه قد عثر على الجواز بنفس عربته التي سرق منها قبل شهر تقريباً.. لم يصدق، وبدأ في تفحص الجواز هل هو جوازه أم لا، وتأكد في النهاية أن اللص الذي سرقه قد أعاده له سالماً لم تنقص منه ورقة.. وفي ظني أن هذا اللص ظريف ويستحق الشكر على ما فعله، وربما تكون الظروف أجبرته على السرقة، وظن أن الظرف الذي احتوى على الجواز وتذكرة السفر كان بداخله مبلغ من المال، لكن عندما فتحه ووجد الجواز والتذكرة أنبه ضميره، لكن كيف يعيده وصاحب العربة قد نزل إجازة؟ فبدأ اللص يتحين الفرص لإعادة الجواز إلى السيارة بشرط ألا يراه أحد، وبالفعل تأكد أن المنطقة هادئة ولا أحد يشعر به ففتح العربة كما فتحها المرة الأولى ووضع الجواز داخلها، ليأتي أخونا “محمد” ويجد جوازه قد عاد إليه سالماً.. وفعلاً هذا لص ظريف وإلا لألقاه في قارعة الطريق.. يا ليت كل اللصوص هكذا، خاصة في ما يتعلق بالمستندات.