مقالات متنوعة

محمد لطيف : الشمالية.. حين يكون الساسة جزءاً من الحل 2


حتى وقت قريب كنت أظن أن وزارة الصحة الاتحادية لا صلة لها من قريب أو بعيد بشأن الصحة وعلاج المواطن.. وكنت أظن.. وليس كل الظن إثما.. أن وزارات الصحة في الولايات هي المعنية بكل شأن تنفيذي يخص الولايات.. والعاصمة أيضا.. فهي ولاية كذلك.. وكنت أظن أن الوزارة الاتحادية معنية فقط بوضع السياسات.. وإدارة الصراعات.. فكغيري من المراقبين.. كنت أتابع الوقائع.. وأسمع القصص.. تسمع في كل موسم.. وفي ميقات معين من كل عام.. عن التحصين.. ثم كلاما عاما عن الرعاية الصحية الأولية.. ثم ينسى الموضوع بانتهاء مراسم الحفل..!
ثم.. جاءت رحلة الولاية الشمالية.. فالرحلة كان عنوانها.. تفقد المرافق الصحية بالولاية الشمالية.. ولما كان من يقوم بهذه الرحلة وزيرة الدولة بالصحة الاتحادية.. ومعها فريق من قيادات وزارتها.. أي موظفون فدراليون على قول الأمريكان.. فقد كان الفضول أحد دوافعي للمشاركة في هذه الرحلة.. لمعرفة من أي ثقب ستنفذ الوزارة الاتحادية للولوج في شأن ولائي بحت.. كانت مفاجأتي عظيمة حين اكتشفت أن الأمر ليس ثقبا.. بل هو باب واسع.. حتى أنه ابتلع كل مساهمات ودعومات الصحة الاتحادية.. ولا يزال فاغرا فاه ولسان حاله يردد.. هل من مزيد..؟
صحيح أن ثمة مزايا شخصية لدى وزيرة الصحة الاتحادية قادرة على النفاذ.. وبسط النفوذ الاتحادي على الولايات عموما.. منها قوة شخصيتها.. وجديتها.. وقبل هذا وذاك رغبتها الحقيقية في العمل.. وحرصها على توفير أفضل خدمة صحية ممكنة للمواطن.. أي مواطن في أي موقع داخل السودان.. ولكن الصحيح أيضا أن الوزارة الاتحادية بالفعل معنية ببعض القضايا التي تمتد إلى الولايات.. وتتقاطع مع اختصاصات الولايات.. مما يثير كثيرا من الأزمات أحيانا.. عوضا عن رمي الثمرات.. حين كنا نتابع حملات الوزيرة التفتيشية بمشافي الولاية.. وأسمع الوزيرة ترفع صوتها منفعلة بما ترى أمامها من إهمال.. ومن تسيب.. وتطلق توجيهاتها هنا وهناك.. كنت أتساءل بأي صلاحيات تتحدث هذه السيدة.. وأي سلطان لها على هذا الموظف..؟ ولكني أبتلع تساؤلي سريعا وأنا أسمعها تقول في موقع آخر.. هذا الجهاز دفعنا فيه خمسة مليارات جنيه هل يعقل أن يظل معطلا هكذا والناس في أمس الحاجة إليه..؟ فالذي يدفع من حقه أن يسأل.. وأن يسائل.. بل وأن يحاسب.. إن كان المبلغ بذلك الحجم الذي سمعنا.. وكان الإهمال بذلك الشكل الذي رأينا..!!
ولكن.. هل الأمر كذلك فعلا..؟ للأسف لا.. فقد كشفت لي جولتي رفقة وزارة الصحة الاتحادية بالولاية الشمالية.. أن الوزارة تتحمل عبئا عظيما من شأن الصحة في الولايات بدءا من الرعاية الصحية الأولية.. مرورا بالدواء المجاني الذي تتمسك الوزارة بأن تخصص له صيدليات خاصة داخل كل مشفى وانتهاءً بالنظام الصحي الشامل.. إلا أن الدستور يقيم في الواقع.. جدرا سميكة وعازلة لا تجعل لوزارة الصحة الاتحادية سبيلا إلى الوزارات الولائية.. وبالتالي إلى مؤسساتها.. مما يحتم ضرورة مراجعة هذه العلاقة.. فإن كنا نتحدث باستمرار عن الحاجة لمستشفيات مرجعية.. فالظن أننا أحوج ما نكون كذلك لوزارة مرجعية في الشأن الصحي.. تفرض سلطانها على كافة الوزارات الولائية.. وتتنزل بركاتها على كل السودان.. ولعل البرلمان يقود مبادرة لتحقيق ذلك.. وبركاتك يا ست نور..!