حوارات ولقاءات

القيادي بحزب الأمة القومي دكتور “إبراهيم الأمين” هنالك فساد ما في وزارة الصحة ويجب معالجته!!


رسم القيادي بحزب الأمة القومي دكتور “إبراهيم الأمين” صورة قاتمة لمستقبل الوضع الصحي بالبلاد، وقال في حواره هذا مع (المجهر) إن الصحة بالبلاد بحاجة إلى علاج سريع. وانتقد ضعف مرتبات أطباء الامتياز، وقال إن أجورهم لا تكفي لترحيلهم ناهيك عن تناول وجبة الفطور، وتأسف لتداخل الاختصاصات بين وزارة الصحة الاتحادية ووزارة الصحة ولاية الخرطوم، وقال: (عندما تمنع وزارة الداخلية أطباء من السفر يعني ذلك أن وزارة الصحة تنصلت من مسؤولياتها)، ودعا إلى ضرورة الاهتمام بتدريب الأطباء وتأهيل المستشفيات الولائية، مشيراً إلى أن بعض ولاة الولايات يتعاقدون مع أطباء دون علم المجلس الطبي، الجهة الوحيدة المخول لها السماح للطبيب بممارسة العمل في البلاد.. فإلى مضابط الحوار.

{ لنبدأ معك بسر تحول الكثير من أطباء السودان الذين تركوا الطب واشتغلوا بالسياسية ولو بذل هؤلاء جهدهم في الطب لاختفت الملاريا العضوية والسياسية من البلد؟

_ أولاً، السياسة التي تتبعها الدولة حالياً ليس في وزارة الصحة فقط بل في كل المؤسسات هي التي تسبب الأمراض التي تصيب الإنسان.
{ وما هي الأسباب الناتجة من هذه السياسات التي تأثر بها المواطن؟
_ الأسباب كثيرة جداً.. الفقر كمثال له تأثير كبير على المواطنين وصحة الأمومة والطفولة، وأي مشروع يتم تنفيذه سواء أكان زراعي أو صناعي تترتب عليه سلبيات وآثار جانبية على المواطنين، لذلك يفترض أن يخصص جزء من عائد هذه المشروعات كخدمات علاجية للمواطنين، بجانب المساهمة في تحسين بيئة التربية والتعليم، وبالتالي أنت لا تستطيع أن تفرق بين عملك كطبيب معالج لشخص وعملك في الطب الوقائي أو طب المجتمع وعمل الطبيب في المساهمة كواحد من النخب السياسية في قضايا البلاد كلها.
{ هل هنالك خطأ في السياسات الموضوعة الآن لتطوير الصحة بالبلاد؟
_ صدمت صدمة كبيرة جداً عندما قرأت في بعض الصحف تحول مهام وزارة الصحة إلى وزارة الداخلية ومنع خمسة آلاف طبيب من مغادرة البلاد، وأن المنفذ لمنع الأطباء في هذه القضية هي سلطات وزارة الداخلية في المطار.
{ وهذا يعني عدم وجود إستراتيجية لوزارة الصحة؟
_ نعم.. هذا فيه دلالة كبيرة جداً على أنه لا توجد إستراتيجية لإدارة صحة المواطن بالصورة التي تمكن الأطباء وبقية العاملين في هذا المجال من أداء واجباتهم.
{ وكيف كانت تعمل وزارة الصحة في السابق؟
_ في الماضي كانت وزارة الصحة هي التي تتحكم في مخرجات ومدخلات الدراسات الطبية، لأن العدد كان قليلاً وأي طبيب بعد تخرجه يجب أن يعمل ثلاث سنوات في منطقة شدة.. وهذا يضمن أولاً، أن الطبيب أدى واجبه تجاه المواطن الذي يدفع الضرائب ويقطع من دخله المحدود لتعليمه الطب.. ثانياً، يكتسب تجربة وخبرة.. ثالثاً، لا يمكن للطبيب أن يتخصص إلا بعد مرور ثلاث سنوات في العمل في كل أنحاء السودان.. ورابعاً، يخضع الطبيب لامتحان يتم بموجبه أخذ العدد الذي يفي بحاجة المستشفيات.
{ وكيف الوضع الآن؟
_ الآن عدد الأطباء زاد، لكن في نفس الوقت وللأسف الشديد رعاية الدولة سواء أكانت من قبل الجامعات أو من قبل وزارة الصحة لم تكن بالمستوى السابق ودون المطلوب، وأصبح عدد الأطباء متوفراً في المدن الكبيرة التي توفر له المال ليسعى للتخصص، وهذا من حقه، لكن الآن يتخصص على حسابه الخاص لأن الدولة لا تتحمل نفقات التخصص، ولأن الطبيب شعر أن المستشفيات الموجودة في الولايات لا تتوفر فيها المعينات التي تمكنه من أداء واجبه، والمؤسف أن والياً في الولايات يصرف على الصحة والتعليم بمزاجه لذلك تجد مستشفيات كثيرة جداً الآن غير مؤهلة لتقديم الخدمات الأساسية للموطنين.
{ هذا يعني أن هنالك خللاً في وزارة الصحة؟
_ نعم.. توجد ربكة، لأن هيبة وزارة الصحة وإشرافها كوزارة على كل المستشفيات ومتابعتها عمل الأطباء والكوادر المساعدة والصيدليات انتقصت، وحتى الإمدادات الطبية كانت تسمى في السابق مخازن وزارة الصحة لأن الهدف منها إيجاد دواء للمستشفيات العامة بأسعار مناسبة، وكانت هذه العملية تتم بيسر من المركز في الخرطوم دون السؤال عن قيمة هذا الدواء لأن وزارة المالية تتكفل بتسديد قيمته.
{ وهل تبدل الأمر الآن؟
_ بعد تغيير الاسم من مخازن وزارة الصحة إلى الإمدادات الطبية وإلى هيئة أصبحت عبارة عن شركة تجارية مثلها مثل أي تاجر يعمل في مجال الدواء، وبالتالي انعكس هذا على صحة المواطن.. والآن ظهر الدواء المغشوش، وهنالك مفهوم أخطر لأنه أول مرة في السودان نسمع بطبيب مزيف في داخل العاصمة والأطباء يصابون بأمراض خطيرة جداً يمكن أن تنقل إلى المرضى في داخل العاصمة.. وفي الماضي كان حتى أقل العمال الذين يعملون في الصحة في الوظائف التي لها علاقة بالأكل والشرب (المطاعم) يخضعون لكشف طبي ويحملون شهادة صحية.
{ تعني أن الأمر الآن تحول إلى فوضى مثلاً؟
_ هنالك فوضى في هذا المجال، وهي دليل واضح على عدم وجود إستراتيجية وعلى الترهل في وزارة الصحة الاتحادية و(18) وزير صحة ولائياً، وإدارات تصرف عليها أموال ضخمة جداً على حساب العلاج والمال المخصص لتدريب الأطباء.. هذه محنة يجب أن تعالج سريعاً.
{ وأين دور المجلس الطبي؟
– المجلس الطبي، وأنا في مرحلة من المراحل كنت رئيس لجنة المحاسبة لثلاث سنوات به، من مهامه اعتماد أي طبيب لممارسة المهنة، وأي طبيب ما لم يتم تسجيله في المجلس الطبي سواء أكان طبيباً عمومياً أم متخصصاً لا يسمح له بممارسة العمل، لكن الآن للأسف هنالك بعض الولاة يعملون كما يريدون، يعينون أطباء ويستجلبون أطباء من الخارج دون أن يمروا بالمجلس الطبي الجهة الوحيدة المخول لها اعتماد وغربلة الأطباء ومعرفة مستوياتهم، حتى تطمئن أنهم سيقدمون خدماتهم بالصورة الصحيحة. والفوضى وصلت إلى وجود أجانب في مستشفى الخرطوم يؤجرون عيادات ومعامل، وهؤلاء الأجانب للأسف الشديد لديهم تعاقد مع مؤسسات حكومية.. هذه عملية تحتاج إلى وقفة ومعالجة لأن فيها ما يؤكد أن هنالك فساداً ما تجب معالجته.
{ سياسة وزير الصحة ولاية الخرطوم “مأمون حميدة” بنقل الخدمة إلى الأطراف.. هل جانبها الصواب؟
_ أولاً، هنالك خطأ كبير جداً في ما يخص العلاقة بين المستشفيات المركزية التي يفترض أن تشرف عليها وزارة الصحة لأنها مستشفيات تدريب ويتم التحول إليها من كل أنحاء السودان.
{ ما هي المستشفيات الكبرى؟
– المستشفيات الكبرى مثل مستشفى الخرطوم والعيون والشعب، هذه مستشفيات يجب أن تتبع لوزارة الصحة الاتحادية، وهي وزارة مركزية، وأن توفر لها كل الإمكانيات لأنها تقوم بمهام غير علاج الحالات العادية بجانب استقبال جميع الحالات المحولة من مناطق السودان كافة، والآن أصبح هنالك تضارب في الصلاحيات ونقص كبير جداً في هذا الجانب.. نعم، قد يكون هنالك تفكير أن بعض العمل ينقل للأطراف، لكن ما لم يتم التأكد من أن ما يوفر في الأطراف في المستوى الذي يقدم خدمات جيدة للمواطنين، وهذا لا يتم إلا بوجود عدد من الاختصاصيين على قدر كبير من الكفاءة والخبرة ليس للعلاج فقط ولكن للتدريب.. لكن هنالك ربكة في التدريب، ونوعاً من التداخل في الصلاحيات بين وزارة الصحة في ولاية الخرطوم والجهات المسؤولة عن تدريب وتعليم الأطباء، ويوجد تناقض بين اختصاصيين في كثير من المستشفيات والجهات الإدارية، وهذه الخلافات يجب أن تحل بواسطة لوائح تحكم هذا العمل وتعطي الأهمية الكبرى لما يقدم للمواطن لأنه هو محور العملية الطبية والتدريبية للأطباء والكوادر المساعدة.
{ تحدثت عن تحول مهام وزارة الصحة للداخلية.. كيف؟
_ نعم.. وزارة الصحة عندما تمنح وزارة الداخلية حق منع أطباء من السفر في رأيي أنها زادت أعباء وزارة الداخلية وتخلت عن أعبائها.. يجب أن تعمل وزارة الصحة بالصورة التي تطمئن بها إلى وجود هؤلاء الأطباء في مناطقهم المختلفة وتوفر لهم الحياة الكريمة والمعينات.
{ هل هذا القرار لمنع هجرة الأطباء التي زادت في السنوات الأخيرة؟
_ قطعاً لا يوجد مواطن سوداني يريد الهجرة إلى الخارج، لكن الطبيب الآن سواء أكان في العاصمة أو الأقاليم يعيش ظروفاً صعبة للغاية، فأطباء الامتياز ما يقدم لهم من مرتب لا يغطي حتى تكلفة الترحيل ناهيك عن توفير وجبة الفطور، لذلك أصبحت مهنة الطب طاردة بالنسبة للإنسان الذي يريد العمل كطبيب، وفي نفس الوقت اتخذها البعض ميزة اجتماعية وأصبح الطب للأسف الشديد متاحاً أكثر للأغنياء، لأن الإنسان الذي لديه المال حتى لو لم يحقق النسبة التي تؤهله لدخول كلية الطب يستطيع الدخول إليها بماله.. وبالتالي يجب أن تدرس قضية الهجرة بطريقة فيها نوع من الشفافية، ومعرفة كل جوانب التقصير من قبل وزارة الصحة ومن قبل الجهات التي تتولى تدريب الأطباء، والتقصير من وزارة المالية في توفير المال اللازم سواء أكان للتدريب أو للمرتبات التي تمكنهم من أن يعيشوا حياة كريمة.

المجهر السياسي