مقالات متنوعة

محمد لطيف : بدون أصباغ.. الترويج لوزيرة


قبيل حلول الثامنة من أمسية الأربعاء الماضية بدقائق كانت وزيرة الصحة الاتحادية سمية أكد.. وزيرة بالوكالة لغياب الوزير.. تتلقى اتصالا هاتفيا من ناصر باعون وزير الصحة اليمني الموجود لحظتها بالعاصمة الأردنية عمان.. بها نحو أربعمائة وخمسين جريحا.. ناصر يشكر سمية على استقبال بلادها لمواطنيه من الجرحى.. ثم يسألها عن جاهزيتهم لاستقبال آخرين.. سمية تؤكد له أن طائرة بالفعل كانت قد توجهت ذلك اليوم إلى عدن لإخلاء خمسين جريحا إلى الخرطوم.. ولكن أسبابا أمنية حالت دون إتمام العملية.. وأن الطائرة السودانية تقترب عائدة للخرطوم في تلك اللحظات.. الوزير اليمني يقول.. ولكن لدينا في هذه اللحظة مائة وخمسة وستون جريحا موجودون في مطار عدن وثمة طائرة يمنية كذلك.. وأن الجرحي يصرون على التوجه إلى الخرطوم.. الوزيرة.. المتفاجئة.. تؤكد للوزير أنهم لا يمانعون في استقبال أي عدد فقط أن يتم ذلك عبر الاتصال بوزارة الخارجية السودانية.. ثم إعطاء اللجنة العليا لاستقبال الجرحى والمؤسسات الصحية المهلة للترتيب لاستقبال هذا العدد الكبير.. الوزير اليمني يشكر الوزيرة السودانية وعند الثامنة تماما تنتهي المكالمة.. ثم يهدأ كل شيء على جبهة الجرحى اليمنيين في السودان..!
وفجأة وقبيل منتصف الليل.. تتلقى جهة ما في الخرطوم.. مكالمة من عدن.. ثم يتم تداولها على نطاق محدود.. تقول خلاصتها.. إن مسلحين يمنيين أجبروا طائرة يمنية.. كانت موجودة في مطار عدن على التوجه إلى الخرطوم وفي جوفها نحو مئة وستين جريحا.. وتداول موجز.. مشوب بالقلق.. حول ما إذا كانت الطائرة مختطفة..؟ وهل بها مسلحون أم أن مهمة المسلحين قد انتهت هناك في مطار عدن..؟ الفحص الأمني يتجاوز سريعا مسألة السلاح والمسلحين.. ثم بضعة اتصالات سياسية تكشف أنه كان معلوما على المستوى السيادي أمر الطائرة.. وأن ثمة التزاما قائما أصلا لا خيار غير التعامل معه.. والوزيرة التي كانت آخر من يعلم.. تجد نفسها أول من يتحرك.. وتصطدم السلطات الصحية بالحقيقة المرعبة.. وهي أن نحو مئة وخمسين جريحا في طريقهم إلى الخرطوم بينما كل الترتيبات حتى تلك اللحظة.. الثانية عشرة منتصف ليلة الأربعاء.. كانت قد أعدت لاستقبال خمسين جريحا فقط..!
وقبل أن تتاح للمعنيين بالأمر حتى فرصة التفكير مرتين.. تهبط طائرة يمنية ضخمة مطار الخرطوم.. وسط هاجس أمني لدى البعض.. وقلق من الجاهزية لدى البعض الآخر.. ومفرزة شرطية تتخذ موقعها بحيث تكون الطائرة تحت بصرها لا سمعها.. وفي المقابل.. المؤسسات الصحية تكشف عن مرونة بالغة.. وتكشف في ذات الوقت عن قدرة هائلة على التعاطي مع كل الاحتمالات.. وعن مقدرة باهرة على التعاون والتنسيق والعمل المشترك.. وذابت التصنيفات والحواجز.. والهواجس.. بين ما هو اتحادي وما هو ولائي.. وتنشأ غرفة عمليات تلقائية ميدانية.. رأسها في مطار الخرطوم.. وآخرها في المستشفى الجنوبي بالخرطوم وأذرعها في مستشفى حاج الصافي بالخرطوم بحري.. ومستشفى النو بأم درمان.. وحين ينطلق أول إسعاف مركزي من المطار إلى وسط المدينة تكون السعة الاستيعابية للجنوبي قد ارتفعت إلى اثنين وثمانين سريرا.. وارتفعت الطاقة الاستيعابية لسبعة وعشرون سريرا إضافيا في حاج الصافي.. وأعلن عن جاهزية ثلاثين سريرا بالنو.. مع تهيئة مستشفى الخرطوم لأي طارئ..!
جهد خارق آخر استحق الوقوف عنده.. هو ذلك الجهد الذي بذلته سلطات الطيران المدني وكل خدمات المناولة الأرضية ذات الطبيعة الطبية تحيط بالطائرة.. ثم جهد السلطات الهجرية وهي تمارس أقصى مرونة ممكنة.. والتحية لكل الكوادر الطبية.. وبكل تخصصاتها ومستوياتها وهي تقوم بكامل دورها الآن.
وأخيرا.. هل روجنا للوزيرة..؟ فليكن.. فهي تستحق على كل حال.. وعزاؤنا أنه ترويج يتعاطى الحقيقة فقط.. دون أصباغ..!!