أبشر الماحي الصائم

خديجة في القدس


* لا يزال أحد أصدقائي يكاد يحدثني يومياً عقب أداء فريضة العشاء، حيث اعتدنا أن نلتقي بعد خروجنا من المسجد مباشرة، يحدثني عن قناة الجزيرة على أنها (أكبر مؤامرة في تاريخ المسلمين الحديث)!! وهو يستعين على تركيز فكرته هذه بعدة مسوغات.. أن للجزيرة مراسلين طلقاء يتحركون بسقوفات حركة مديدة داخل البيت الأبيض وفي القدس المحتلة !! وهو يرى شعارها حينما يتفجر في الخليج ويخرج كما لو أنه عقرب سامة !!
* وتكمن مصداقية هذا الحديث في كون صاحبي إمام مسجد وهو يومئذٍ صاحب خطب مؤثرة ومشهودة، لكني كثيراً ما قلت له إنك تكاد تركن إلى ثقافة المؤامرة شيئاً قليلاً!! وعلى متن هذه الهواجس، أذكر أني قد سارعت في إحدى العطلات إلى صديقنا عمار عجول، ليقول لي جملة مفيدة واحدة في قناة الجزيرة التي شغلت يومئذٍ الدنيا ولم تقعدها، قال عجول “إن الجزيرة واحدة من صدف التاريخ” و.. و..
* المهم في الأمر ما إن يفارقتي صديقي الخطيب حتى أهرع إلى الفضائيات العربية، ولا أجد قناة واحدة تفرض على (الإقامة الجبرية) غير (الجزيرة المؤامرة) !! ففضائياتنا العربية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ومن المحيط إلى الخليج، إما قد دخلت بعد العشاء مباشرة في برنامج (سهرة غنائية) وإما غرقت في وحل (الدجل سياسي)!! وليس للقضايا الحية سوى قناة (المؤامرة الجزيرة) التي ترتقي لملامسة أشواق المسلمين، فحيثما تولي وجهك ثمة مراسل نابه للجزيرة يضعك وسط أحداث لم تجف دماؤها بعد، فمن غير (الجزيرة المؤامرة) لحرائر الشام وهن يركبن البحر في رحلة للمجهول، من غير مؤامرات المسحال وهبة عقيلي ووليد العمري لأطفال غزة وشيوخها ونسائها، من غير الجزيرة يجرؤ أن يهتف باسم الشهداء.. ملاحم تصلح لها أبيات شاعرنا السوداني الثائر محمد المكي إبراهيم:
من غيرنا يعطي لهذا الشعب معنى
أن يعيش وينتصر
من غيرنا لصناعة التاريخ
والقيم الجديدة والسير
* حينما اندلعت بالأمس مأساة المسجد الأقصى كانت الجزيرة كالعادة في الموعد، فلم نجد في ليل الأمة الطويل إلا (الجزائرية بنت الجزيرة) الباهرة بنت قنة، فكانت كاميراها أكثر فتكاً من راجمات جيوشنا العدم، كانت خديجة وحدها كتيبة وسط كتائب المقدسيات الثائرات في قلب الأقصى، خديجة وأخواتها الباسلات اجتهدن في ستر عورة نظامنا الرسمي الذي يلازم عجزه !!!
* وفي كل فاجعة ليس هناك سوى الجزيرة، التي لا أملك إلا أن أدعوها لتضاعف من مؤامراتها، ولعمري ما أنبل وأجمل وأطهر خديجة، وهي في صحن الأقصى المبارك في (ركب المؤامرة)!! سيدتي خديجة.. سيدتي الجزيرة أتمنى لكم مزيدا من المؤامرات الناصعة !!