د. ياسر محجوب الحسين

موسيفيني في الخرطوم رغم أنف العداوة


حط الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني في الخرطوم الأسبوع الماضي رغم أنف العداوة المستفحلة بين البلدين ورسوخ البغضاء بين النظامين الحاكمين.. زيارة صحبها ترحيب سوداني فاتر أو بالأحرى كانت زيارة دون لافتات ترحيب.. لم يأت سلفا كير رئيس جنوب السودان إلى الخرطوم رغم وضوح أجندة الزيارة، بل جاء موسيفيني وكأنه الرئيس الفعلي لجنوب السودان.. وزير الخارجية السوداني قال إن الرئيسين سيناقشان عددا من القضايا التي تهم البلدين خاصة الملفات الأمنية فضلا عن مناقشة الأوضاع في جنوب السودان.. وتأتي زيارة موسيفيني للخرطوم بعد توتر وقطيعة دامت أكثر من عشر سنوات. وشهدت علاقات البلدين ابتداء من سنة 1991 المزيد من التعقيد بعد أن تبادل البلدان الاتهامات بشأن تقديم الدعم اللوجيستيكي وتسهيل الإقامة ومنح المأوى لفصائل التمرد التي تنشط في كلا البلدين وقطعت العلاقات الدبلوماسية بشكل كامل في 1995. وأيدت أوغندا محكمة الجنايات الدولية التي تلاحق البشير وتتهمه بارتكاب جرائم حرب في دارفور مما أدى لتفادي البشير زيارة كمبالا رغم من احتضانها للعديد من الاجتماعات التي تهم المنطقة والقرن الإفريقي.
ولأن موسيفيني يخوض حربا ضد رياك مشار المتمرد على سلفا كير، ولأن الخرطوم متهمة بدعم مشار وبيدها بعض مفاتيح وقف الحرب الأهلية في جنوب السودان، فقد طرق موسيفيني أبواب الخرطوم رغم انقطاع حبال الوصل.. المدهش زيارة مشار للخرطوم في نفس التوقيت.. تأخرت زيارة مشار للخرطوم يوما وتبع ذلك تمديد موسيفيني زيارته يوما آخر.. فالرجل يطلب وساطة الخرطوم للتفاهم مع مشار الذي قاد حربا شرسة ضد سلفا كير أو بالأحرى ضد موسيفيني، فالخيار العسكري لم يحسم تمرد مشار بل تقدم الأخير كثيرا على الأرض.. وأجرى مشار الذي وصل إلى الخرطوم على رأس وفد كبير ضم 20 من قادة حركته محادثات مع البشير وموسفيني. وقال موسفيني إنه توقف في جوبا في طريقه إلى الخرطوم، وتلقى ضمانات من سلفا كير بتطبيق اتفاق السلام والتعاون مع قوات مشار رغم تحفظه على بعض بنوده وطلب من مشار موقفاً مماثلاً.
تحت عنوان بحث الملفات الأمنية التعاون العسكري، تسرب للعلن سعي موسيفيني فتح حدود السودان مع دولة جنوب السودان ومن ثمّ تسنح الفرصة لنشر قوات أوغندية وهذا يوفر ملاذا آمنا للمتمردين السودانيين الذين تدعمهم كمبالا.. بيد أن ذلك أمر يضمره موسيفيني الذي أعلن عن توصله إلى تفاهم مع البشير بإبعاد قادة الحركات المناوئة للخرطوم من أراضي أوغندا، ووقف دعم متمردي “الحركة الشعبية – الشمال” وحركات دارفور، في مقابل تعاون الخرطوم في محاربة حركة متمردي “جيش الرب” المناهضة لحكمه التي تتحرك على الحدود بين السودان وإفريقيا الوسطى وجنوب السودان. وسبق ذلك بأيام موافقة الحكومة السودانية لوفد رفيع من الاتحاد الإفريقي مكون من خبراء دوليين، على مشاركتها مع دول الإقليم، وبدعم من الولايات المتحدة الأمريكية من أجل القضاء على قوات جيش الرب.
في المقابل حصلت الخرطوم من كمبالا على كلام فضفاض، حين تضمن البيان المشترك في نهاية الزيارة على جُمل على شاكلة: تأكيد الرئيسين على رغبتهما في ضرورة تعبئة وتوحيد الجهود الإفريقية بهدف مواجهة اتهامات محكمة الجنايات الدولية، ووصفها بأنها تستخدم من قبل بعض القوى الغربية كأداة لعدائهم ضد إفريقيا.. كذلك أعرب الرئيسان عن عميق قلقهم إزاء العقوبات الاقتصادية الأحادية المفروضة على السودان.
من جانب آخر ليس خافيا العلاقات القوية بين كمبالا وواشنطن حتى أن موسيفيني يزعم أنه رجل أمريكا في إفريقيا، ومعلوم أنه في 2011 شرعت قوات أمريكية وقوات تابعة لحلف الناتو بإرسال عناصر من قوات المهمات الخاصة إلى أوغندا لكي يتولوا هناك مهمة تنظيم العمليات القتالية ضد “جيش الرب”.. ويعتقد أن الولايات المتحدة من خلال ذلك التمهيد لمد أنابيب النفط من جمهورية جنوب السودان عبر كينيا إلى سواحل المحيط الهندي دون المرور بأراضي السودان الشمالي. وتسعى أمريكا جادة لتوسيع نفوذها في إفريقيا وإزاحة الصين، منافستها الرئيسية في القارة.
وتتمتع إفريقيا باحتياطيات نفطية كبيرة فمعدل اكتشاف هذه الاحتياطيات كان الأسرع في العالم خلال العقد الماضي، طبقا لما صدر من معلومات عن هيئة مجلس كوروبوريت الأمريكي حول إفريقيا. ويوفـر غرب إفريقيا الآن، نحوي 25% من واردات النفط الأمريكية. وسلّطت الخطة القومية للطاقة التي أعدها فريق عمل نائب الرئيس الأمريكي الأسبق ديك تشيني الضوء على إفريقيا باعتبارها المصدر الأسرع تطوراً للنفط والغاز للسوق الأمريكي.
والهدف الرئيسي المُستتر للقوات الأمريكية المسماة (افريكوم) وهي القاعدة الأمريكية في إفريقيا التي كانت تدار مؤقتاً من مدينة (شتوتجارت) الألمانية، ليس محاربة الإرهاب في إفريقيا، لكنه تأمين موارد إفريقيا لواشنطن خاصة النفط. ففي فبراير من العام 2007 أعلن وزير الدفاع الأمريكي حينها روبرت جيتس أمام لجنة التسلح في مجلس الشيوخ الأمريكي أن الرئيس السابق بوش الابن اعتمد قرارا بإنشاء قيادة عسكرية أمريكية جديدة للقارة الإفريقية، وهدفها غير المعلن احتواء أيّ تدفق “غير منضبط” منها لمصادر الطاقة، وفي مقدمتها النفط.