عبد الجليل سليمان

مشار مُتحسراً.. و”الحسن” ناجحاً


دعوني أبدأ بالجزء الثاني من العنوان أعلاه، وهو ورد ضمن مينشيت لعدد صحيفتنا هذه، الصادر الثلاثاء 15 سبتمبر، على النحو الآتي (لقاءات ناجحة للحسن الميرغني في واشنطون بدعوة من الكونغرس)، وبغض النظر عن التفاصيل التي وردت تحت العنوان، وهي لا تكشف، ليس عن نجاح تحقق فحسب، بل ولا حتى عن اختراقات حقيقية في ملف (السودان – الولايات المتحدة الأميركية)، فإن استخدام (التشبيه، والحال والصفات والأوصاف) في عناوين الأخبار أمر غير مرغوب فيه من ناحية مهنية، بحسب علمي.
وهكذا جاءت الزميلة (التيار) بالجزء الثاني من (عنواني)، فاختارت التالي: “مشار متحسراً: لو طُبقت الكونفيدرالية في 47 لما انفصل الجنوب”، عنواناً بارزاً ثانياً لعددها ليوم أمس. وهكذا وعندما تستغرق في قراءة الخبر، لا تجد ما يدعو لتوصيف حال (مشار) عندما قوله هذه العبارة، بأنه كان (محتشداً) بالحسرة. ولكن هب أن مشار نفسه قال للصحفي الذي نقل عنه، بشكل قاطع لا يقبل اللبس (أتحسر على عدم تطبيق الفيدرالية.. أو … أشعر بخيبة أمل … الخ)، فهل عناوين (الأخبار) تحتمل ذلك؟
وعليه، فإنني لم أجد في تفاصيل الخبرين، ما يدعوني أعتقد بأن لقاءات الحسن الميرغني لأميركا كانت ناجحة، ولا ما يجعلني أشعر بأن (مشار) قال ما قال، وهو في حسرة من أمره.
دعونا نمضي قليلاً، خطوة واحدة إلى الأمام لنقول إن زيارة الحسن الميرغني لم تحقق ولن أي نجاح، ولا اختراق، كون الرجل وحزبه في وضعهما الراهن، غير مؤثرين على الأحداث (السودانية) الراهنة، لا في الساحة السياسية ولا العسكرية ولا الفكرية ولا الإعلامية، وبالتالي فإن مثول الرجل في جلسات استماع وتداول نظمتها مؤسسات أميركية لا يعني (النجاح)، فمثل هذه المؤسسات يمكن أن تستمع إلىّ (أنا)، لو طلبت منها ذلك، وهكذا فعلت مع كثيرين مما لا تأثير حقيقي وفعلي لهم.
أما فيما يلي (حسرة) مشار، فهذا أمر آخر، فالرجل لفت فقط إلى مر مهم، وهو ما ورد في خبر (التيار)، لكن لم يبد حسرة تجاه ما حدث، لأن ذلك لا يستقيم وفق لتصورات الرجل كونه ظل على الدوام أحد الرموز التي تمثل تياراً جارفاً داخل الحركة الشعبية، يدعو لاستقلال الجنوب.
واقع الأمر، أن اعتبار الجنوبيين – على خلفية ما يحدث في بلادهم – من حفلات إراقة دماء- وفشل حكومتهم الذريع في إدارة الدولة، بأنهم مصابون بالحسرة والندم جراء استقلالهم عن السودان، فيه نوع من (الكِبر والخُيلاء) غير المطلوبين، ولا الضروريين. والمتأمل نتيجة الاستفتاء على حق تقرير المصير لا يمكن أن يقول إن الجنوبيين متحسرون على نجاحهم في تحقيق مشروعهم الاستقلالي، لكن لا شك أنهم متحسرون على ما آلت إليه الأوضاع في بلادهم من تردٍّ مريع الأمر الذي أحبط أحلامهم في العيش بسلام وكرامة في وطنهم المستقل.