جمال علي حسن

موقف الثورية.. تطور أم تكتيك


حتى ولو اعتبرنا أن إعلان الجبهة الثورية وقف العدائيات شريطة عقد مؤتمر الحوار في أديس أبابا، تكتيك منها بالرهان على تمسك الحكومة بعدم إجراء الحوار خارج السودان فإن الانطباع العام يقول إن الجبهة الثورية بهذه الخطوات تثبت حرصها على تقديم نفسها أمام الغرب في ثياب المقبل على الحوار والسلام وليس ذلك المدبر منه.
وسيعتقد العالم كله أن الجبهة الثورية بهذه الخطوة ألقت بالكرة في ملعب الحكومة في اختبار معملي مشهود لمدى جدية واستعداد الحكومة تقديم ما يقتضيه الأمر من تنازلات لإنجاز الحوار وإنجاحه.
وفي اعتقادنا أن موقف الحكومة يحتاج لمراجعة جديدة بناءاً على هذه الخطوة بأفق أوسع وإحسان لإدارة هذه الكرة الملقاة في ملعبها.. وذلك عبر طرح تساؤلات مهمة.. ما هي المشكلة في عقد الحوار في أديس أبابا؟ وهل سيعتبر ذلك تنازلاً كاملاً وانبطاحاً لرغبة الثورية..؟ لو أخذت الحكومة في الاعتبار أن موقف الجبهة الثورية الذي أعلنت عنه مؤخراً مبني بالأساس على إعلان الرئيس البشير استعداده لوقف إطلاق النار بشكل شامل لمدة شهرين لتهيئة المناخ للحوار الوطني والعفو عن حملة السلاح الراغبين في الانضمام للحوار..
هذه الخطوة التي اتخذتها الحكومة في أغسطس كانت الجبهة الثورية قد تلقفتها بشكل جاد وبدأت فصائل الجبهة الثورية نهاية الأسبوع الأول من سبتمبر اجتماعاتها في العاصمة الفرنسية، بحضور لمبعوثي بريطانيا وأمريكا، لتخرج أخيراً بما أسمتها خارطة طريق للسلام والحل الشامل..
لا يجب أن يتوقع مراقب حصيف أو خبير سياسي أن تنتقل الجبهة الثورية من موقف الحرب إلى موقف الحوار بتجاوب كامل مع شروط الحكومة ومواقفها دون ثمن.. هذا لم يكن وارداً ولذلك فإن الموقف الذي أعلنت عنه الجبهة الثورية يعكس حالة من التطور الكبير في مواقفها عبر محاولة اغتنامها الفرصة التي قدمها لهم البشير من جهة بجانب استجابتها لضغوط ورغبات غربية كانت ظاهرة في اجتماع باريس الأخير والذي طلب فيه المبعوث الأميركي دونالد بوث، من الحركات المسلحة إعلان التزامها بوقف إطلاق النار أسوة بما فعلته الحكومة السودانية..
الجبهة الثورية لم تعلن موقفها هذا إلا بعد قراءتها لموقفها العام ووضعها على الأرض وبعد افتقادها للكثير من الملاذات الإقليمية الحاضنة لها في الفترة الماضية والتي ستضاف إليها كمبالا بعد زيارة موسيفيني الناجحة للخرطوم، بجانب الملاذ الغربي وهو الأهم بالنسبة لها والذي كان مقترح بوث يعني أن أمريكا مقتنعة بصدق وجدية موقف الحكومة وما أعلنه البشير ويعني أنهم لن يتحمسوا لمسايرة إصرارها على عدم التعامل مع هذه الخطوة الموضوعية التي بادرت بها الحكومة السودانية.
نعتقد أن كل هذه التداعيات تجعل أمام الحكومة خيارات مريحة لإدارة الكرة الملقاة في ملعبها بشكل جيد وقطع الطريق أمام تكتيكات الجبهة الثورية وجرها للحوار الوطني بقدر معقول من التنازلات الممكنة حتى ولو على مستوى المكان وبعض التفاصيل الإجرائية الأخرى بضمانات محددة.
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.