الصادق الرزيقي

الحب في زمن الكوليرا.. على الطريقة التركية!!


> لن يتجادل اثنان.. في أن قصة العاشقين المحبين التركيين «مصطفى قرة كيون» و «دوندو كيراش» وهما تجاوزا التسعين من العمر، ربما تكون أجمل في تفاصيلها وملهماتها وإشراقها، وأكثر تشويقاً وأوفر نبلاً وأعمق حباً من رائعة الكاتب الكولمبي الكبير جبرائيل غارسيا ماريز «الحب في زمن الكوليرا» التي رأت النور عام 1985م، فالرواية الشهيرة تتحدث عن قصة حب استمرت ما يقارب الخمسين عاماً بين شاب «فلورنتينيو اريثا» وشابة «فيرمينا داثا» في قرية صغيرة يحتضنها البحر الكاريبي عند مجرى نهر يصب في البحر» لم يتزوجا وانتظرا خمسين سنة كاملة حتى وفاة زوج الشابة ليتزوجها من أحبها ومكث العمر كله في رجاء لا ينقطع بالزواج منها، فتزوجها في نهاية الأمر زواجاً سعيداً، وتدور الرواية في نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، مسجلة لوقائع وتحولات كثيرة جرت في تلك المناطق مترافقة مع قصة الحب التي صارت من أيقونات قصص الحب في العصر الحديث، متساوية على عرش واحد مع روميو وجوليت وأنطونيو وكليوباترا وقيس وليلى وشاه جاهان وممتاز محل.
> لكن أن تتجسد رواية ماركيز في نسخة تركية حقيقية، فهذا ما يجعل المقاربات والمقارنات تستعر أواراتها وتجتذب النفس البشرية إلى فياح الحب السامي القوي الذي لا يبلغ مداه شيء.
> قصة الحب التركية استمرت منذ عام 1938م في قرية نائية بولاية قهرمان جنوب الأناضول، لكن الشاب مصطفى عندما تحدث إلى والده برغبته في الزواج من فتاة القرية الحسناء «دوندو» التي كانت تكبره بأعوام، رفض الوالد بشدة وقهر رغبة ابنه، فانكسر فؤاده وفكر في الانتحار لهول الصدمة عليه، وغادر القرية والتحق بالخدمة العسكرية، ولم يعد إلى قريته إلا بعد أربع سنوات ليجد محبوبته قد تزوجت وأنجبت أطفالاً، فهاجر مرة أخرى بلا رجعة وتزوج هو الآخر وأنجب أطفالاً ونسي ماضيه، إلا « دندو الحسناء» وذكرياتها النابضة في قلبه.. وكثير من قصص الحب تنتهي في الحياة مثل هذه النهايات الدامعة المحزنة.
> لكن الأيام وتصاريفها كانت تحمل رياحاً أخرى، فبعد «77» عاماً، تموت زوجة مصطفى ويكبر أبناؤه ويرحلون، ويضعونه في دار للمسنين والعجزة في مدينة تركية ضاجة بالحياة، وذات صباح اقتربت منه مسنة أخرى تسكن الدار مثله، وقالت له «ماذا تفعل هنا يا مصطفى؟» قال لها «من أنت لا أعرفك ..» ليكتشف في نهاية الأمر أنها دندو كيراش الفتاة التي أحبها في ريعان الشباب ليجدها أمامه مسنة تجاوزت التسعين تعيش وحيدة معه في دار المسنين، بعد أن تزوج أبناؤها وهجروها ومات زوجها!! بعد «77» سنة يلتقيان، ثم يجتران الذكريات وأحاديث طويلة تمت تعبئتها في قوارير السنوات السبع والسبعين، قررا الزواج وهو الحدث الذي تم تأجيله أو إجهاضه قبل سبعة عقود ونيف، رفض أبناؤهما الفكرة وعارضوها بشدة، وحاول العشاقان التركيان الفرار من دار العجزة أكثر من مرة، وأصرَّ العجوز مصطفى في كل مرة يقبض فيها عليهما على أنه سيتزوجها وسيهرب بها مهما كلفه ذلك، وكانت دندو تطلب منه أن ينقذها من العالم ويأخذها بعيداً.
> وسمع «حسين غوشكون» رئيس بلدية مدينة غوكسون بالقصة، فلعب دوراً مهماً في إقناع أبناء مصطفى وأحفاده وأبناء دندو وأحفادها حتى وافق الجميع في نهاية الأمر، وتمت إجراءات زواج مؤجل لما يقارب القرن من الزمان.. ولا تستطيع العروس ذات الخمس وتسعين سنة التحدث لشعورها بالإرهاق والتعب والشيخوخة، لكن سعادة ترتسم على وجهها، وتقول إنها تعيش سعيدة بينما يدعو مصطفى الله ويقول: «الحمد لله الذي جمعني بها أخيراً، وأسأله عز وجل أن يجمع كل المحبين في الدنيا مثلي».
> هذه القصة الواقعية من تركيا، في تفاصيلها وحكاياتها التي لم ترو، ووقائع العصر والسنوات السبع والسبعين التي مرت بالعالم وتركيا وأحداث جسام وتحولات كبرى، لو وجدت قلم ماركيز لكانت رائعة أخرى تضاهي «الحب في زمن الكوليرا» وتتفوق عليها..ربما أو بالأحرى.. بلا شك!!