عبد الجليل سليمان

بشار الأسد ولو إلى حين


لم يخفت صوت نقرات الـ (كي بورد) الذي كتبت بواسطته مقالي لأول أمس، المعنون بـ (في سيرة الرعونة وملحقاتها)، حيث رصدت فيه ما أسميته برعونة الخطاب السياسي العربي والسوداني المتماهي فيه، حتى برز إلى (الحكومات العربية) وزير الخارجية الأميركي (كيري)، مُردداً ذات النشيد الذي تغنى به قبل أشهر (جون برينان) مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي أي)، إذ قال (كيري) في مؤتمر صحفي برفقة نظيره البريطاني (فيليب هاموند) التأم أول أمس في لندن: “إن على الولايات المتحدة وحلفائها أن يتفاوضوا مع الرئيس السوري بشار الأسد من أجل انتقال سياسي بسوريا”. فبُهت العرب.
ردود الأفعال العربية على مستوييها السياسي والإعلامي ظلت كما هي مُعتاد عليها (صارخة وهارجة)، فطائفة من المحللين عدَّوا تغيُّر الموقف الأميركي حيال الأسد، ناجماً عن رغبة في إرضاء إيران، وتشجيعها على تمدد مشروعها التوسعي في المنطقة، وسوريا بشكل خاص، وبعض السياسيين لا يزالون يرددون: بأن نظام الأسد هو الذي ساهم في تمدد العناصر القاعدية والداعشية المتطرفة بإطلاق سراحهم من السجون، والتخلي عن مناطق وجوده على الحدود مع العراق وتركيا، لصالح تلك المنظمات الإرهابية.
واقع الأمر، ومما لا اختلاف عليه ولا شك فيه، أن النظام الحاكم في سوريا، استبدادي مثله مثل بقية الأنظمة العربية، وأنه مارس اشتطاطاً في قتل مواطنيه بطريقة جنونية ومهوسة، لكن، مقابل ذلك مارست الجماعات المسلحة المُعارضة (المتُطرفة) أضعاف هذا الجنون، ليس ضد جيش النظام المستبد فحسب، بل حتى ضد المدنيين الآمنين، وتوسلت إلى القتل أساليب (موجعة ومؤلمة) كالذبح والنحر بالمِدى، والحرق بالنار، وإعدام الأسرى، وإبادة التراث وتحطيم الآثار، والترويج لكل ذلك عبر تصوير وبثه على الإنترنت.
والحال كذلك، وفيما كان إعلام بشار الأسد (طاقم بثينة شعبان) يصف هذه الجماعات بأنها إرهابية، ظلت المعارضة السورية الموسومة بالمعتدلة والدول التي تدعمها خاصة العربية منها (وتركيا)، يعدونها فصائل ثورية مناضلة ويدعمونها بالمال والسلاح والرجال، ويبذلون جهدهم في نفي (صفة) الإرهاب عنها، ولهم في ذلك (أرشيف) ضخم موثق بالصوت والصورة والمِداد، حتى إذا ما (تمكنت) على الأرض، كشرت عن أنيابها وأعلنت دولتها في العراق والشام ووجهت ضرباتها إلى الكل، بمن فيهم حلفاؤها من المعارضة المعتدلة وداعموها من مناوئي نظام الأسد.
بطبيعة الحال، فإن تمدد الجماعات الإرهابية على حساب المُعارضة المُعتدلة العاجزة، حوّل الحالة الثورية التي ابتدرتها الجماهير السورية بداية الأمر إلى تناحر أهوج لمجموعات متطرفة، وإلى صراع نفوذ إقليمي ودولي، فاقم منه فشل (التحالف) العربي الأميركي عن مقارعة (داعش والنصرة) على الأرض. وفيما لا يزال إعلام المعارضة السورية (المعتدلة) يردد بأن (النصرة) التي هي القاعدة في نسختها (الشامية)، ليست تنظيماً إرهابياً، الأمر الذي يكذبه ذات الواقع الذي يؤكد صحة توصيف النظام السوري وحلفائه (روسيا وايران) لتلك المجموعات المُعارضة. وهكذا، ويوماً بعد يوم، صار الموقف الأميركي والدولي المُتبدي في تقارير واقتراحات وتصورات (ستافان دي ميستورا) يقتربان إلى الروسي، إلى أن جاءت اللحظة المناسبة للتعبير عنه، فكانت أقوال (كيري) تقطع قول كل خطيب.