عبد الجليل سليمان

وينو الدعم البترفعو الحكومة


هذه الحكومة، مُذ حلَّت بين ظهراني الشعب السوداني البطل في الثلاثين من يونيو 1989م، وحتى اللحظة لم ترفع عن كاهله المثقل (نص عيشة)، دعك عن أنها كانت تدعم القمح والمحروقات نيابة عنه.
يكتب الكاتبون ويحلل الاقتصاديون ويدفعون بالأرقام، ويُقسم السياسيون (مغلظاً) (وطلاقاً) كما شاءوا، لكنني لا أصدق أبداً أن هناك دعماً حكومياً للقمح ولا للمحروقات في أي مرحلة من مراحل الحكومات الإنقاذوية المتعاقبة على إدارة شؤون الدولة ومواردها وحربها وسلمها منذ ربع قرن من الزمان السوداني (العجيب).
ليس هناك ما يجعل أحداً منا يصدق أن ثمة دعماً حكومياً لخبزنا ودوائنا وتعليمنا وغازنا وبيئتنا، لأن الأمر كله يبدو وكأنه استُعيض تماماً عن عبارة (زيادة الأسعار) بمصطلح (رفع الدعم)، خاصة وأنه لا تمضي شهور قليلة من (رفع ما) حتى تعلن الحكومة أن بصدد (رفع آخر)، هذا ظل يحدث منذ أكثر من ست سنوات، دون أن توضح وزارة المالية والقطاع الاقتصادي للحزب الحاكم – منذ البداية – كم هو المبلغ الذي تدعم به القمح أو الوقود، وما هي النسب التي ترفع بها هذا الدعم كل (كم شهر)، حتى يتعرف المواطن على (حقوقه) وما له وما عليه، لكن الحكومة لا تفعل ذلك.
على كلٍّ، يبدو أن الأمور ذاهبة إلى موجة جديدة من الغلاء، غلاء سيكون توصيفه بكلمة (فاحش) ضرباً من التخفيف والاستخفاف، إذ يعاني المواطن الآن ظروفاً معيشية صعبة للغاية، حتى أنها تمثل مهدداً اجتماعياً كبيراً، فنسبة الأمية بين الأطفال فاقت الـ(30%)، وحينما تُضاف إليها نسبة تسرب من المدارس، يصبح 50% من أطفالنا أميين وجهلة، كما أن نسبة تفشي الفساد المالي بلغت ذروتها، حيث أن قبول الرشى والتسيب عن العمل لإيجاد دخل إضافي، صارت أموراً عادية جداً، تجد بالكاد من ينتقدها ويُعدّها منافية لمنظومة القيم والأخلاق الإنسانية بشكل عام.
والخبر الذي اختارته جل يوميات الخرطوم الصادرة أمس عنواناً رئيساً، والذي يكشف عن رفع سعر دولار القمح من (أربعة) إلى (ستة) جنيهات، يشي وإن نفت الوزارة وطمـأنت بزيادة مرتقبة (مباشرة) أو (غير مباشرة) بإنقاص الأوزان، في (تسعيرة) الخبز، وهذا حدث من قبل.
واقع الحال، يؤكد أن المواطن لن يتحمل أكثر من ذلك، وأن زيادات جديدة تطرأ على أسعار الخبز ستصيب معيشته الضنكة (الراهنة) في مقتل، وهذا ما سيكون له نتائج كارثية على كافة المستويات المتوقعة وغير المتوقعة، وأقلها ما يحدث الآن من (خروج) للكفاءات والأيدي العاملة الماهرة وغير الماهرة من البلاد، فيما ينتظر الآخرون ريثما يأتي دورهم.