عبد الجليل سليمان

أحزاب سياسية سحرية


حينما (تستمع)، لسياسيي هذه البلاد، فأنت في واقع الأمر (تستمتع) بالتأمل في صورهم – بمعنى (Images) – التي يكرسونها في (خاطرك)، إذ يبدون وهم يمارسون (السياسة) بأظلافها وأمعائها وكأنهم يمشون على الحبال دونما تدريب كافٍ، فيترنحون بطريقة مثيرة للضحك، ثم يسقطون كدمى، وينهضون لينكروا تو ذلك أنهم (سقطوا) بالفعل وإنما (خُيل) للرائين ذلك.
لا يُمكن أن يُقدِّم أي سياسي نفسه للآخرين على أنه كائن متعالٍ عما يمارسه بالفعل، إلاّ هنا. وحينما تحاول الاقتراب من (زعماء) الأحزاب السياسية السودانية (قربى ذهنية)، يتدخل أنفك ليشوش عليك، وكأن رائحة أظلاف وأمعاء متعفنه تقتحمه.
تنظر لترى الفرق بين هذا الحزب وذاك، تدقق جيداً، تحدق في (صور) الأحزاب الدّوارة، تكاد تسقط مغشياً عليك. لا واحد بينهم يملك تصوّراً اقتصاديّاً أو اجتماعيّاً أو ثقافيِّا يختلف (معيارياً) عن تصوّرات منافسيه السياسيّين، وربما لهذا السبب تحديداً يُختزلْ الحزب السياسي في رئيسه/ سكرتيره/ مُرشده، سمِهِ ما تُريدْ. إلاّ أن هذا الأمر هو ما يجعل هذا الفرد الفذ يكتسب سُمواً روحياً يصعد بِهِ من سياسي واقعي إلى شخص خارق يتوفر على قدرات روحية وجسدية وفكرية ودينية (إيمانية) نافذة ينبغي على أعضاء حزبه، في الحقيقة (مُريديه) التسليم بها ثم الخضوع لها والذوبان فيها حد التلاشي.
صورة الزعيم هذه، هي ما يجعله يتعالى على (الواقعية السياسية) باعتباره مُنزّهاً عن أخطائها التي لا تتناسب مع كونه ملهماً وخلاّقاً، فيما تحتشد يوميات السياسة (على الأرض) بالكثير من الأمور (المُدنسة) إن صحت الكلمة في هذا السياق، وتلك أمور لا يمكن لزعماء بقامات ومقاسات (الترابي، الصادق، الميرغني) وغيرهم من قادة الأحزاب الطارئة والحركات المسلحة، أن ينشغلوا بها، ولا أن يقعوا (تحت) أخفافها.
تلك الصورة مدعمة بأبعاد دينية أو ثورية أو إنسانية – طهرانية – في الغالب – توفّر لهؤلاء (الزعماء) مواقع تمنحهم حصانة ضدّ النقد، أو الإقالة، أو حتى التفكير المحض في تداول قيادة الحزب معهم، إذ أن وجودهم، بحسب ما كرسوا له، هو ما يعطي ليس لأحزابهم فقط، بل للبلاد والعباد أيضاً، الحياة والاستمراية وربما الخلود.
هؤلاء هم من يديرون السودان منذ استقلاله وإلى اللحظة الراهنة، يمارسون السياسة وينزهون عنها ويتعالون، وبالتالي لا يخضعون لمحاسبة (فمن يحاسبهم؟)، وبهذه الطريقة تمكنوا من تدمير المؤسسات ابتداء من أحزابهم وإلى مؤسسات الدولة واختزلوها في شخصياتهم التي طوّرت لنفسها أنياباً قوية وحادة، قضمت بها البلاد ومؤسسات الدولة الأمر الذي مكّن للفساد تمكيناً لا مثيل له في العالمين.
بطبيعة الحال، فإن إعادة النظر في (صور) هؤلاء السياسيين، ستُصيبك بدوار يعقبه إحباط، فيبدو أمر السياسة في هذه البلاد بالنسبة إليك وكأنه (لعبة سحرية)، فناهيك عن عدم إحالتها لإرادة شعبيّة حقيقية، فإنها أيضاً ليست مرهونة بأيّ إنجازات اقتصادية، تعليمية، وصحّيةً ملموسة.