مصطفى الآغا

وطن


أكتب هذه المقالة في أول أيام عيد الأضحى، فكل عام وأنتم بصحة وسعادة وأمن وخير.

ولكن هناك مئات الآلاف وملايين ليسوا بصحة ولا سعادة ولا أمن ولا بخير، وهؤلاء من أبناء بلدي الذي دمرته الحرب والاقتتال والطائفية والهجرة والدمار، وغياب الماء والكهرباء والتدفئة شتاء، والحر اللاهب صيفا، والأهم غياب الطمأنينة، والعيش على وقع.. الخارج مفقود، والعائد إلى بيته مولود.

فماذا نقول لهؤلاء الذين باتوا عناوين للأخبار ومادة للحديث، وصار القريب والغريب يتصدق عليهم بعدما كانوا كرام الناس؟

ماذا نقول لمن تجتمع أوروبا للاتفاق على حصة كل دولة منهم لاستقبال الهاربين من الجحيم، الذين سيُصبح أبناؤهم الصغار حاليا مواطنين في دول غريبة عن آبائهم وعاداتهم وتقاليدهم وحتى دينهم؟

ماذا سنقول للباقين هناك يعايدون أنفسهم تحت النار، ولا أحد منهم يدري إن خرج من بيته هل سيعود إليه؟

ماذا نقول لبلد كان واحة للسلام والتعايش والاكتفاء الذاتي، وبات من أخطر بلدان العالم؟ وهل سنبقى نلوم بعضنا بعضا من دون البحث عن مخرج؟ ومن الذي سيبحث عن مخرج لنا إذا كنا نحن أنفسنا لا نبحث عنه؟

ذهب أبناؤنا وأهلنا، ومات من مات وتشرد من تشرد، وبقي في العراء من بقي، وبقي في الأرض من بقي، وذهبت الآثار والمتاحف والذكريات والأوابد والمستشفيات والعيادات والمدارس، واختفت المصانع وفُككت وبيعت، وهاجر المال وأصحاب الخبرات، وأبيدت مدن عن بكرة أبيها، وقُطِعت رؤوس وهدمت بيوت على رؤوس ساكنيها، ومازلنا في المربع الأول ننتظر فرجا من السماء، ولكن من دون أن نبذل أي جهد كي نلتقي في نصف المسافة أو ربعها أو حتى في جزء بسيط منها.

الكل يلوم الكل، وسنظل ندور في حلقة اللوم والقتال المفرغة، والكل يتشبث برأيه وبسلاحه، والمواطن البسيط الفقير هو وبلده من دفعا ويدفعان وسيدفعان الثمن.

في هذه الأيام المباركة أناشد كل من يدعي الوطنية، وكل من يدعي حب الوطن، وكل من يدعي القتال باسم الوطن، أو حفاظا على الوطن، أو دفاعا عن الوطن..

أناشدكم.. لو بقينا هكذا فلن يكون هناك في يوم شيء اسمه.. وطن.