حوارات ولقاءات

لقاء المكاشفة.. مع مريم الصادق المهدي : المؤتمر الوطني ضد نفسه والمواطنين بإصراره على التمترس وراء مواقفه


ــ ذكرت سابقاً أن الحوار في الميدان يختلف عن الطاولة ففيم يختلف؟

كل شخص يقول حديثه بأوضح صورة وبأقوى صورة لأنه بعد ساعة لا يعرف هل سيعيش أم يتوفاه الله، ينبغي أن يكون واضحاً في حديثه، فهو لا يعلم أي (طلقة) قد تأتي إليه تجعله لا يستطيع أن يعيد حديثه، الوضوح الأقصى، الحوارات التي تمت في هذه اللحظات كانت صريحة جدًا وجعلتني أشعر بانتمائي، لقد لمست فيهم أن لديهم إحساساً بهذا الوطن وقد وهبوا إليه حياتهم كما وهبتها أنا، عندما يقولون كورالاتهم وتعبئتهم أظن أنني منهم، لا أشعر حينها بالآخر للدرجة التي سألت فيها نفسي ذات يوم، ما هذا؟ طبعاً أنا من التعبويين في الحزب، أنا تعبوية وحافظة لو سمعتم خطاباتي السابقة، أقول إن تلك الفترة بالنسبة لي كانت مذهلة وأنا أقيم نفسي، لذلك كنت أجتهد لأن أضع مثل النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أمامي، أن الخير فيّ وفي أمتي إلى قيام الساعة، فكل من يقول حديثا هو يقصد حديثه، وكنت أحاول أن أرى النقاط التي نتفق عليها، وحتى الآن عندما نأتي لنتحدث في النقاشات أحاول الابتعاد عن الحدية وإيجاد الأرضية المناسبة التي نتفق عليها، هناك من يقول بالدولة المدنية، وهناك من لا يريدها، وآخرون يريدون دولة لا دينية، أنا لدي مرجعيات واضحة جداً ولدي مواقف، لكنني أنظر إلى المشتركات.

ــ هل صحيح أن مريم رائد بالمعاش؟

لم أفكر في هذه القصة، لكنني مسجلة لدى إعادة الدمج والتسريح، تم تسجيلنا في الفترة التي مضت، كضباط جيش الأمة للتحرير، مع أننا لم نقم بفكرة تسريح الجيش بصورة محددة كشرط أساسي لعودتنا الى السودان، وكانت هناك مفاوضات حدثت في ليبيا شارك فيها الحبيب عبد الرحمن الصادق وكان من المفترض أن يكون هناك وفاء بها لكن للاسف تعاملوا مع ملفنا من اللحظة الأولى بشكل أقرب الى الابتزاز، أما المشاركة أو عدم الإيفاء، وفي ظروف لاحقة، هم تعاملوا معنا بهذه الصورة، عندما يكونون راضين عنا يصمتون وعندما لا يرضون يهيجون، ويقيموا الفتن.

ــ كنت رئيساً لقطاع تنمية المرأة بحزب الأمة وقيل إن هذا الأمر لقطع الطريق لمواصلتك في الحياة العسكرية؟

في فبراير من العام 2000 تحدثت مع الحبيب الإمام وأخبرته أنني أريد أن أواصل في السلك العسكري وأريد أن أكون عسكرية مشاة، وطلبت منه ان يساعدني للانضمام لدراسات عليا لأحد المؤسسات العسكرية المرموقة، في أغسطس تم تعييني رئيساً لقطاع تنمية المرأة كنت في المكتب مع الحبيب عبد الحفيظ عباس، وعندما أتى الإيميل بالقرار ، ضحكت ملء شدقي وكنت جالسة على الكرسي فشعرت بأنني أريد الوقوع من عليه، فكان أول تعليق لي على القرار كان (المرأة مالها)، نحن ذهبنا كمجموعة من الكوادر التي اقتنعت بالعمل العسكري وولجت إليه، وأقمنا عملاً مميزاً لم يتح له إلى الآن أن يخرج بصورة كبيرة، وهو العسكرية المستنيرة ودورها في التنمية، حزب الأمة تبنى الكثير من هذا الحديث، في ميثاق أصدره اسمه الميثاق العسكري ونحن ما زلنا نطرحه لكل القوى السياسية.

_ هل يمكن أن تكون مريم الصادق رئيساً لحزب الأمة؟

قصة رئاسة الحزب ليس لنا فيها توجس، من يختاره الحزب لرئاسته رجلاً او امرأة لا مشكلة في ذلك.

_ ما هو وضع أخيكي البشرى؟

الحبيب البشرى وقد جاء اسمه اكثر من مرة ، هو الآن مع الإمام ومرافق له منذ 13 شهراً ، ليست لديه طريقة حتى يأتي الى السودان، هو رجل عسكري موقفه واضح وعندما حدثت المواجهة مع الحبيب الإمام بهذه الصورة التى نعلمها جميعاً قرر أن ينضم إلى الإمام ويكون في حمايته متحملاً كل تبعات هذه المسألة ومرجعياتها، لا أعلم أن الآن موقفه في القوات المسلحة وهو ينتمي اليها ضابط (صاعقة).

ــ هل تعتقدون ان حزب الأمة مهمش؟

نحن لدينا فكرة في حزب الأمة عمومًا ان الدولة السودانية نشأت بمقابلة لكياننا، نحن مهمشون في الدولة السودانية، والتهميش أعني به هنا التهميش الاقتصادي والتهميش السياسي الذي تشرف عليه الدولة، مع أنهم لم يستطيعوا عمل التهميش الاجتماعي لأننا اقوياء في المجتمع.

ــ هناك من يقول إن المهدية فرضت في المناهج السودانية؟

هذه أحد أسباب ضعف المكون النفسي الوطني السوداني وأعني الاستقطاب النفسي تجاه الدولة، البحوث الموضوعية التي تنصف الدولة المهدية بصورة أساسية جاءت من أقلام غير سودانية.

ــ هناك أقلام سودانية أنصفت المهدية؟

صحيح أنه جاءت مؤخراً أقلام سودانية تتحدث بموضوعية، لكنني اتحدث بصورة عامة ليس في الدولة السودانية فقط، نحن لدينا مشكلة في نظرتنا الى تاريخنا، معلوم هو دور البطل في صناعة الشخصية الوطنية والانتماء الوطني، انظر إلى الزبير باشا وإلى المك نمر وإلى الإمام المهدي وإلى الخليفة عبد الله، لا يوجد بشر مبرأ ولكن الناس يستخلصون الجوانب المهمة والتجارب الوضيئة التي تنبع من شخصية البطل، ونحن نحجم أخطاءه في اطارها الموضوعي ولا نؤلهه، او نقول إنه منزه عن الخطأ، نحن لسنا كذلك، ولا نقول. أما البطل الأقصى ولا يوجد أحسن من ذلك ، وهناك من يعتقدون انه لا أسوأ من ذلك.

ــ كيف تنظرين إلى هذا التجاذب بين شخصياتنا التاريخية؟

التجاذب الشديد في النظر لأبطالنا أو تاريخنا، والنظرة الاختيارية لمتى يبدأ تاريخنا وما هو هذا التاريخ، هذا في تقديري مشكلة كبيرة ما زالت في وجداننا لكن أنا أعتقد أن أكبر المظالم التى تعرضت لها الإنسان السوداني أنه لا يستطيع أن يتملك بطولة المهدية بصورة تجعله ينتمي إليها، هناك دائمًا مشكلة تكمن في الاستقطاب للناس بحيث أننا لا نستطيع أن تحتفل بشيكان كأعظم معركة من المعارك العسكرية على مستوى العالم، كما يقول المؤرخون العسكريون هناك تهميش لموقعة شيكان، أحد اكبر الظالم التي حدثت للشعب السوداني حول للمهدية هو عدم تملك الإنسان السوداني لها بحيث تصير جزءاً منه تجعله يشعر بمنعته وعزته وذخيرته في مواجهة حاضره ومستقبله.

ــ ما هو دور حزب الأمة الآن ؟

هناك أزمة في مجتمعنا السياسي مثلها مثل المجتمع النقابي والمدني كغيره، هناك مشكلة حقيقة، تطاول الأنظمة الشمولية القائمة على منع الآخر من أن يكون جعل مجموعات ملاحقة ومتابعة وغيرها وبالتالي فمن الصعب أن تأتي لتخبرني أن دورنا كدور المؤتمر الوطني، من الصعب أن تقول إن حزباً أمسك بالسلطة منفردًا لأكثر من 26 سنة وأقام مشروع التمكين وما خفي كان أعظم ثم تأتي لتسألنا عن دورنا، يكفي أننا الآن متماسكون.

ــ هل هذه الأحزاب المنتشرة نفعت الشعب السوداني؟

في تقديري أنه من أهم الأشياء التي قامت بها الأحزاب الوطنية السودانية أنها متماسكة، وحتى اللحظة ما زالت تشكل بديلاً للانزلاق الى القبلية والجهوية، الأحزاب ما زالت تشكل مواعين تحفظ الشعب من الانزلاق حيث إن الدولة تقف بكل أجهزتها وقدراتها على لعب هذا الدور، الحزبية ودورها ومالها وما عليها مهم جداً لكنني أعتقد أننا لو ظللنا نناقشه في إطار الهجوم والدفاع فنحن لن نستطيع أن نبحث بصورة فيها موضوعية، أنا سأدافع لأن مرجعيتي مؤمنة بالحزبية ومؤمنة بدورها الوطني الكبير، أنا لا أريد أن أقول إن الأحزاب ضعيفة مع علمي أن هناك ضعفا، لا أريد أن أعطي فرصة كهذه في ظل هذا الوضع، حتى يأتي (مانشيت مثير)، نحن في ظرف أخطر من الإثارة ، نحن نريد مناخاً نفكر فيه سوياً، حتى لو لم تكن أنت حزبياً فإنه من الطبيعي أن يكون أملك بأن يكون السودان قوياً، علينا أن نبحث امر الأحزاب بصورة ليس فيها قدسيات.

ــ حزب الأمة حزب له مرجعية دينية، فكيف يتحالف مع أحزاب علمانية؟

نحن متحالفون مع أناس قريبين إلينا جيدًا في مرجعيات فكرية، لكننا متحالفون من أجل السودان، نريد أن نضع لهذه البلاد صفات تجعلنا جميعاً مواطنين، نريد أن تكون هناك أرضية سوى أن تجعلنا نتنافس، عبر انتخابات حرة ونزيهة وعادلة، لأننا مختلفون وإن لم نكن مختلفين فليست هناك جدوى، نحن في تحالفاتنا لسنا ضد أحد أبداً بما في ذلك المؤتمر الوطني، فالأخير ضد المواطنين وضد نفسه كلما أصر على التمترس وراء مواقفه الفاشلة،

ــ تتحالفين مع قوم يرفضون البسملة؟

أنا مريم الصادق المهدي أؤكد أن مرجعيتي الإسلامية والأنصارية مسألة محورية في حياتي وأنا أقول في أي اجتماع أنه ينبغي علينا أن لا نصنف، أنا مريم المسلمة وراحتي أجدها عندما أبدأ حديثي باسم الله وأحمد الله وأثني على رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، في أي مكان بالعربي أو بالإنجليزي. هذه أنا مريم، لكنني لا أفرضها على آخرين مختلفين، لذلك فإن الحديث عن هذا ليس إلا نوعاً من الدخول في أزمات آخرين، ولو كنا جادين يجب علينا أن نخرج من هذا الأمر بالتوافق على المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات.

ــ ثم ماذا بعد تحالفكم هذا؟

ليعلم الجميع أن التحالف الذي نسعى إليه هو من أجل السودان أولاً وأخيراً، بمعنى أن يكون هناك مناخ في السودان يفضي إلى سلام واستقرار حقيقي يعيش فيه المواطن السوداني بكرامة ويحفظ سبل عيشه، ويتاح فيه لكل السودانيين فرصة للتنافس حتى تقوم الدولة بوظائفها المتمثلة في المحافظة على الأمن وتوفر الخدمات الأساسية وتكفل الحياة الكريمة لمواطنيها، هذا هو التحالف الذي نرمي إليه ليس ضداً لجهة ولا لإلغاء مرجعياتنا المختلفة.

ــ لماذا لا يوجد اهتمام بحزب الأمة في دارفور وكردفان وقد فقد الكثير من أراضيه وما هي الأسباب؟

في تقديري أن كردفان ودارفور دفعت الكثير جداً في سياسات مقصودة للمؤتمر الوطني منذ بداياته الأولى، وهذا ما تقرأه في كتبهم ومفكريهم كالدكتور حسن مكي في كتابه عن تاريخ الحركة الإسلامية الذي خطه في جزئين، والحقيقة أن هذه الولايات لم تعطهم أصواتاً في انتخاباتهم السابقة بالقدر الذي يرضيهم، هي فكرة خلخلة النسيج السياسي التي كتب فيها عبد الوهاب الأفندي، وقال لا تلاحقوا الناس فتتعبوا ولكن اخنقوهم اقتصادياً.

ــ الحكومات السابقة تعاقبهم لعدم قناعة سكان تلك الولايات بهم مثلاً؟

دارفور وكردفان ليست أول مرة تدفع فيها ثمن انتمائها الوطني، فالكتاب الأسود الذي صدر نهاية القرن الماضي وثق بصورة رقمية كيف أن كردفان ودارفور ومعها بحر أبيض مناطق غنية بمواردها الطبيعية والكثافة السكانية الكبيرة جدًا مقارنة بغيرها، والحقيقة أن الأنجليز أهملوا تلك المناطق لأنها كانت موالية للدولة المهدية، ذات الأمر حدث لدى العهود الوطنية، لأنهم يظنون أن هذا كيان قوي ويمكن أن يقاوم، هذه الأقاليم في ظل هذا النظام دفعت الثمن مركزاً، لأن الفكرة هي عمل خلخلة موضوعية في التماسك السياسي والاجتماعي، وهذا أيضاً سبب تفجر أزمة دارفور التي استفحلت، وكذلك في كردفان،

ــ لم تجيبي على السؤال.. لماذا فقد حزب الأمة أرضيته في تلك الولايات؟

نحن في حزب الأمة يجب أن نعترف أننا في وضع لا يتاح لنا أن نتحرك فيه كيفما نشاء، وطيلة فترة الإنقاذ الأولى كان ممنوعًا على الحبيب الإمام الصادق المهدي أن يتحرك خارج العاصمة، كان هناك حصار حقيقي في حركتنا وفي إمكانياتنا وغيره، ومع هذا كله فإن أول حالة تنادينا عليها كحزب أمة أننا من بادرنا بالاتصال بالمؤتمر الوطني في أبريل من العام 2004 بعد مقاطعة كاملة من يونيو 2002.

ــ ولماذا اتصلتم بالمؤتمر الوطني؟

لأن التقارير التي كانت تردنا من أهلنا في دارفور تقول بأن الوضع متجه للانفجار، وجاءت أول ورقة تفاهم في 21 مايو 2004 وقعها الراحل المقيم عبد النبي أحمد عن حزب الأمة وإبراهيم أحمد عمر عن المؤتمر الوطني، وانحصرت الورقة في 12 نقطة، أحد هذه النقاط أن نحتوي الوضع قبل أن يحدث تدخل دولي كنا نراه حينها، بموجب هذه الورقة سمح لنا لأول مرة أن نذهب إلى دارفور في يونيو من العام 2004 وعندما ذهبنا إلى هناك في وفد قاده الحبيب الإمام الصادق، سمع حديثا مباشراً أشد مما كان يسمعه وهو في الخرطوم، حينها أقمنا أكبر مؤتمر صحفي بدار حزب الأمة دعونا إليه كل وسائل الإعلام والمجتمع الدولي والقوى السياسية، وكان شعاره هذا أو الطوفان، ومنذ تلك اللحظة وحتى اليوم فإن دارفور وكردفان بالنسبة لنا ليست مسألة (لحمنا الحي) فقط هذه مسألة وطنية لأننا نعتقد بأنها أزمة السودان، ولو لم نعالجها بصورة قومية وصورة شاملة ستنفجر فينا جميعاً، نحن في حزب الأمة نتعامل مع دارفور ومع كردفان ليس بصورة حزب سياسي أو بها مكاسب سياسية، من شدة التمزق الذي حدث في هذه الجهات.

ــ وكيف تتعاملون إذن مع ملفي دارفور وكردفان ؟

نحن قلناها بوضوح لآخر مجموعة جاءت في اتفاقية الدوحة أننا نقدم حزب الأمة كمرجعية وجسم حتى يجتمع شمل كل الجهات التي تمزقت، فالشخص إن لم يكن هو فسيكون أحد أقاربه حزب أمة، ولأجل هذه الانتماء نحن نقدم الدور الوطني لأننا نعرف قيمة تماسك هذه الجهات المهمة لمصلحتها ولمصلحة السودان ونتعامل بهذا الأمر بجدية ومع منتهى الوعي، نحن لا نتعامل بردة الفعل، نحن لأجل السلام علاقتنا مع الحركات المسلحة جيدة نقدم إليهم مستشارين حتى يصلوا إلى السلام، نحن لا نتعامل معهم أنهم الآخر، لأن الوضع الآن أخطر من أن نفكر بهذه العقلية، هذه ليست مثالية أو سذاجة سياسية، هذا إحساس عميق بأن الوضع يستحق منا جميعًا أن نتعامل معه بهذه العقلية، ونحن محتاجون أن نتعامل جميعًا بهذه العقلية، لكن إحساسي أن المكسب النهائي عندما يحدث استقرار دارفور ويأتي السلام حينها سيكون هناك الوجود لحزب الأمة بالصورة التي يستحقها سواء في دارفور أو كردفان.

 

الصيحة