محمود الدنعو

عدم خيانة من


سعى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون جاهداً إلى حمل أطراف الصراع في جنوب السودان إلى الوفاء بتعهداتهم من أجل السلام وتطبيق الاتفاق الأخير بين الرئيس سلفاكير ميارديت ونائبه السابق رياك مشار، وهو يدرك أن نحو سبعة اتفاقات سابقة لوقف إطلاق النار لم يتم الالتزام بها لوقف القتال الذي اندلع في ديسمبر من العام 2013، ودعا بان كي مون الأطراف إلى “عدم خيانة” المنظمة الدولية، وقال بان كي مون في اجتماع في نيويورك “نحن هنا لمساعدتكم، آمل عدم خيانة الأمم المتحدة أو تخييب أملها”.
هل أراد بان كي مون تهديد الأطراف بالمزيد من العقوبات عند خيانة المنظمة الدولية أم أراد إيقاظ المسؤولية الأخلاقية لدى الأطراف بضرورة الوفاء بالاتفاق. وفي الحالتين، فإن الطريقة التي اتبعها لن تؤدي إلى نتيجة مرتجاة بوقف الحرب. فالتهديدات بالعقوبات لم تؤدِّ في السابق إلى التزام الأطراف بتنفيذ اتفاقيات وقف إطلاق النار المتعددة، كما أن الحديث عن عدم الخيانة وتخييب آمال المنظمة الدولية لن يحرك الأطراف التي خانت شعبها وخيبت آماله في دولة مستقرة ومتطورة بعد أن نالت استقلالها عن السودان كأحدث دولة في العالم، ولكن هذه القيادات بدلا من الانخراط في التنمية والبناء والتعمير أهدرت الموارد وأهلكت البلاد والعباد في صراع حول السلطة استمر 21 شهراً راح ضحيته آلاف القتلى، وأدى لتشرُّد أكثر من مليوني شخص على النزوح، وأغرقت البلاد في كارثة إنسانية لا يمكن الخروج منها قريباً، حيث عدَّ مسؤول العمليات الإنسانية في الأمم المتحدة ستيفن أوبراين، أنه حتى لو توقفت الأعمال الحربية الآن، فإن الحاجات الإنسانية في جنوب السودان تقدر ببليون دولار سنوياً.
هذه الصورة الكارثية لتداعيات الحرب أليست تكفي وحدها لتحفيز أطراف الصراع على وقف هذا الدمار عن هذا الحد، وعدم خيانة شعبهم وتخييب آماله قبل الاجتهاد في عدم خيانة المنظمة الدولية وتخييب آمالها كما يحذر الأمين العام للأمم المتحدة؟ أيهما أولى بالحرص على عدم خيانة وتخييب آمال شعب الجنوب الذي أصبح بين قتيل وجائع ومشرَّد، أم المنظمة الدولية التي تلوح بالعقوبات تارة وتتجاهل الوضع في جنوب السودان تارة أخرى دون يكون لها انخراط فاعل في هذه الأزمة المنسية؟
بالطبع أكد رئيس جنوب السودان التزام بلاده الثابت باتفاق السلام الموقع مؤخراً. وقال: “أعلم أن هناك من يشككون في التزامنا بهذا الاتفاق، ولكنني سوف أثبت أنهم ليسوا على صواب”. بدوره التزم النائب مشار شخصياً احترام الاتفاق، منبهاً إلى أنه لم يلبِ “الحد الأدنى من مطالبه”، ومن الصعوبة تطبيقه.