عبد الجليل سليمان

رفستا الكاردينال ودنقل


يحكى، والمسؤولية على الرواي: أنه ينسب إلى رئيس نادي الهلال أشرف سيد أحمد الشهير بالكاردينال قوله خلال استضافته في حوار، في معرض رده على أحد الأسئلة: “لو رفستك غنماية في السوق، ارفسها”، ولأن الأقوال تمسك بخناق وتلابيب قائليها فإنه لو صح ما نسب إلى كبير الهلال فإن الرجل سيحمل وزر ذلك حتى بعد أن يصعد إلى الرفيق الأعلى، بعد عمر مديد إن شاء الله.
أقول ذلك، وفي ذهني تلمع فكرة (الرفس) وتومض، خاصة وأنه، أي الرفس، فعل حيواني أكثر مما هو إنساني، كما أنه متعلق بالدواب المستأنس منها وغير المستأنس، خاصة الخيول والحمير والبغال، بيد أن ذلك لا ينفي أن هناك دوما إمكانية لجعل فعل الرفس أكثر (إنسانية وحيوانية) في آن، وذلك بنسبته، أولا: إلى مصادره الأصلية المذكورة آنفا، فرفسة (الغنماية) تكاد لا تصلح مثلا يحتذى ويضرب لجهة أنها واهنة وضعيفة وغير سديدة مقارنة بنظيراتها، بالتأكيد.
والحال كذلك، فإنني لم أسمع قط ولم أقرأ أبدا أن أحدا في هذه الدنيا (الواسعة) استحضر في أقواله وكتاباته المنثورة أو المشعورة مثلا نسب فيه فعل الرفس إلى الأغنام أو الضأن أو الدجاج، لكن صاحب الهلال فعلها بحسب ما نسب إليه. وبالطبع لا أدري ما الذي دفعه إلى أن يلجأ لذوات الثغاء ويتخذهن مضربا لمثله، لكن من المؤكد أن للرجل أسبابه الموضوعية فلربما أراد أن يستصغر من شأن شانئيه ومناوئيه ومعارضيه، أو لأن الإنسان ابن بيئته وهي التي تشكل وجدانه ويستلهم منها لغته وكلماته، أو ربما يعود الأمر إلى خيانة اللغة وخذلانها فليس ثمة خوان (خاذل) كاللغة.
بطبيعة الحال، وبعيدا عن الكاردينال، قريبا منه، يمكننا أن نذهب مباشرة إلى الجنوبي أمل دنقل وهو أحد أهم شعراء الحداثة الذين احتفوا بالصور الشعرية، ووظفوا بين ثناياها مفردات وجمل وعبارات ما كانت لولاهم لتجد لها حيزا شعريا ولو بمقدار أنملة، ومن تلك الكلمات (رفسة) نفسها.
لكن الجنوبي وظفها في شعره بطريقة مدهشة وساحرة، إذ نسبها أولا إلى ذوات الحوافر القوية (الخيول) ثم حقنها بجرعات شعرية مشبعة فسارت بها الركبان إلى يومنا هذا وستسير بها إلى يوم الدين، ربما، فمن يدري؟ والكلمات يخلدها الشعراء.
قال الجنوبي: “رفسة من فرس أحدثت في الجبين شجاً، وعلمت القلب أن بحترس”. فهل يا ترى ستعلم رفسة (الغنماية) التي سددها اتحاد العاصمة الجزائري (الغنماية) فأحدثت شجا في جبين (الكاردينال) قلب الرجل أن يحترس؟