هيثم كابو

البطن بطرانة


* هل الصوت الطروب وحده يمكن أن يمنح الساحة الفنية مغنياً يشكل إضافة حقيقية..؟؟ وهل ما نطمح فيه نحن كشباب هو ظهور عارض لمطرب يتجاوزه الزمن سريعاً وتلفه خيوط النسيان أم فنان حقيقي يعبّر عن هموم وآمال وآلام جيل بأكمله..؟؟ أليس ما نحتاج إليه وننشده هو فنان يدرك حقيقة أن الأغنيات تمثل وثائق للتاريخ السياسي والاجتماعي والاقتصادي ويسعى عبرها جاهداً للتوثيق لحقبة زمنية عاشها قبل أن يعمل على تسجيل نبرات صوته وأغنياته..؟؟
* هل الحنجرة الندية وروعة الأداء وحدهما يمكن أن يكونا جناحين يحلّقان بموهوب حتى يضعانه في صدر قائمة الفنانين..؟؟ أم أن الفنان أصبح مؤسسة متكاملة يتم التخطيط لها بدراسة وعمق وتروٍ حتى يتسنى له أن يكون صاحب تجربة مختلفة وعميق أثر وكبير تأثير..؟؟ ولا شك أن الجزئية الثانية من الاستفهام تمثل ملمحاً من تعريف الفنان الحقيقي وفق المتغيرات الراهنة والأمل المنشود وسقوف الطموح التي لا تحدها حدود..!!
* للأسف الشديد: الساحة الغنائية مليئة بمطربين لا يعرفون رسالية الفن وقيمة الكلمة وعمق الأنغام و«يغنون دون وعي والسلام»!!
* من يعيد لكثير من الفنانين وعيهم المفقود؟؟
* تداعت أمامي كل تلك الخواطر أمس واعتدل طقس يومي وبلغ مزاجي أعلى درجات الصفاء واستبد بي الطرب حتى بلغ ذروته وأنا أردد خلف صوت كابلي المنبعث من مسجل العربة:
(أهديتك حبي من فؤاد يحمل الحب.. إن يكن حسنك مجهول المدى.. فخيال الشعر يرتاد الثريا.. كلما أخفيته بالقلب تنبئ عنه عيناك ولا يخفى عليا.. إن شئت فمن أعماق قلبي أرسل الألحان شلالاً روياً وأبث الليل أسرار الهوى وأصوغ الصبح ذوباً شاعرياً.. لا تقل إني بعيد في الثرى فخيال الشعر يرتاد الثريا)..!!
* حقيقة.. ما اجتمع كابلي والراحل صديق مدثر إلا وكان الإبداع ثالثهما..!!
*لو لم يكتب صديق مدثر سوى (ضنين الوعد) لشهدنا له بالنبوغ والعبقرية ومنحناه كامل حقوق البلاغة والامتياز في الأغنية السودانية..!!
*سبحان الذي جعل (كلمات الغناء السوداني) تنحدر إلى أسفل سافلين وتهبط من (خيال الشعر يرتاد الثريا) إلى (حرامي القلوب تلب وأنا في نومي بتقلب)… سبحان الذي جعل الشعر ينحدر حد التمرغ بالوحل لتخلع المفردة ثوب (الوقار والجمال) وتصل من لدن (كلمة خبأتها في خافقي وترفقت بها براً حفيا.. من دمي غذيتها حتى غدت ذات جرس يأسر الأذن شجيا) إلى (كلمة دسسناها من الأسر حتى لا يشعر الأب والأم عند وجودها بالحرج.. كلمة ترفقنا بها عندما اكتفينا بوصمها بالهابطة والداعية إلى إفساد الذوق العام وتغذية خطوط التفلت الحمراء ومفارقة مربع الإبداع والاحترام.. كلمة غذاها «شعراء الغفلة» من دماء الإسفاف والابتذال والركاكة والسطحية ففارقنا زمن كل مفردة ذات جرس يأسر الأذن شجيا..!!
* والكابلي قصة لوحده…!!
* ميزة المبدع العلامة عبدالكريم الكابلي بجانب قدراته التطريبية والأدائية العالية أنه فنان ذو عقل ناضج ومتجدد.. باحث صاحب رؤية ثاقبة ووجهات نظر كاملة العمق.. يحسن التفكير قبل الحديث ويتقن الحديث عن الأفكار.. تشعر مع كابلي الذي قدم للمكتبة جهداً أدبياً رفيعاً بقيمة ثقافة الفنان وبلاغته ولباقته.. تتفتح براعم الحوار عندما يتحدث عن إحدى القضايا الفنية أو الاجتماعية أو السياسية.. يضرب الأمثلة من القرآن الكريم والسنة النبوية والأدب العربي وتحس معه بمتعة المشاركة الذهنية..!!
* كم أنت كبير يا كابلي.. «ورد الله غربتك من بلاد العم سام حتى تعود لوطنك بلبلاً غريداً يا فنانا جديراً بالاحترام»).
نفس أخير
* بطن الغُنا بطرانة!