مقالات متنوعة

محمد لطيف : الحكومة.. كيف تكسر الاستعصاء الناشب؟! “1”


حين دُعي الدكتور جبريل إبراهيم قائد حركة العدل والمساواة للمشاركة في فاتحة أعمال الحوار الوطني بالخرطوم في وقت سابق.. قال عبارته الشهيرة.. لا يمكن أن أبيت في فنادق الخرطوم وأخي يبيت في سجونها.. ويعني بالطبع الدكتور عبد العزيز نور عشر والذي حوكم إثر مشاركته في عملية اقتحام أم درمان الفاشلة في مايو من العام 2008.. ثم حصل على الدكتوراة من محبسه.. الحكومة ردت على جبريل بدفعين.. الأول أن عشر مسجون في قضية جنائية.. تتعلق بتهديد أمن الدولة وتقويض النظام إلخ.. وليس معتقلا سياسيا.. وكان رد أنصار جبريل أن العملية برمتها سياسية.. دوافعها وأهدافها.. وبالتالي ينطبق عليها كل ما ينطبق على السياسيين.. بمعنى أن أي حديث عن عفو عام عن سياسيين ينبغي أن يشمل السجناء السياسيين أيضا.. ثم كان دفع الحكومة الثاني.. أن مصير عشر وزملائه ينبغي أن يكون نتيجة.. وليس سببا.. بمعنى أن جبريل والذين معه.. كان ينبغي عليهم الانخراط في الحوار.. وطرح رؤاهم ومطالبهم على الطاولة.. وحين الوصول إلى نتائج متفاوض حولها.. متفق عليها.. تكون واحدة من مخرجاتها رفع كل القيود الساسية.. بما فيها القيود التي تكبل أيدي وأرجل السجناء السياسيين..!
وإذا كان البعض يتفهم موقف الحكومة الوارد بعاليه.. ويراه على الأقل منطقيا يحتمل التعاطي حوله.. فبعض هذا البعض يتعاطف.. أيضا.. مع الموقف الحكومي الرافض.. جملة وتفصيلا.. مجرد التفكير في أي منبر خارجي ذي صلة بالحوار الوطني الجامع.. غض النظر عن تسميته.. تمهيديا أو إجرائيا أو غيره.. فالحكومة التي يتهمها خصومها بالهيمنة على منابر الداخل.. وتجييرها بالكامل لصالحها بشتى الوسائل.. تخشى منابر الخارج.. لأنها تعلم أنها هناك لا حول لها ولا قوة.. وأنها في نظر المنظمين والميسرين والمسيرين لذلك المنبر.. لن تعدو أن تكون ندا بين أنداد.. وأنها هناك ستتحول من سلطة حاكمة.. إلى صوت واحد.. مقابل عدة أصوات.. تزيد وتنقص وفقا لحالات وظروف التحالفات في صفوف المعارضة.. وحين يكون الحديث عن أن اللقاء الخارجي مهمته وضع الترتيبات الإجرائية.. وتحديد الأجندة.. يتنامى خوف الحكومة.. وينتابها إحساس اليتيم في مائدة لئام.. فتزوَرّ عن محض ذكر اللقاء الخارجي ناهيك عن المشاركة فيه..!
حسنا.. إن كانت عبارة جبريل تلخص موقف المعارضة من الانتقال مباشرة إلى الداخل دون ترتيبات خارجية.. وإن كان موقف الحكومة محسوما من أية ترتيبات خارجية.. فالموقفان في الواقع يعكسان أزمة الثقة القائمة بين الطرفين.. لا المعارضة مطمئنة لما يمكن أن يحدث إن ركنت هي لإجراءات الداخل.. ولا الحكومة مطمئنة لما يمكن أن يحدث إن ذهبت هي لترتيبات الخارج.. إذن لا بد من خطوة أو إجراء لكسر هذا الاستعصاء الناشب بين الطرفين.. ولأن الحكومة هي الفاعل الرئيس في المشهد السياسي الماثل الآن.. ولأن الحكومة هي المستفيد الأول من نجاح مشروع الحوار الوطني باعتباره مبادرتها هي.. ولأن الحكومة هي المستفيد الأكبر.. أيضا.. من مخرجات حوار حقيقي يفضي لنزع فتيل الأزمة وإحلال السلام وإقرار التداول السلمي للسلطة.. لأن الحكومة كل ذلك فطبيعي أن تتجه الأنظار نحوها.. فما الذي يمكن أن تفعله الحكومة؟.. لنرَ ذلك غداً.