الطاهر ساتي

مسمار عارف


:: نجم المبارة ليس بالضرورة أن يكون من الفريق الفائز، بل كثيراً ما يكون أحد الفرق مهزوماً (3/ صفر)، ومع ذلك يكون نجم المباراة أحد لاعبيه ..وهكذا تقريباً حال وزارة العدل .. وزارة العدل – في كل قضايا الساعة وأحداثها وأخبارها- تكاد تكون (نجم المباراة)، ولكن للأسف فريقها – أي حكومتها – مهزوم (6/ صفر).. فالعدل تجتهد أن تصلح ما يمكن إصلاحها في قضايا خط هيثرو والأراضي وغيرها من مخلفات ما قبل التشكيل الوزاري الأخير، ولكنها تعلم – وكذلك الناس والحياة- بأن العطار لايصلح ما أفسده الدهر.. !!
:: وعلى سبيل المثال، قضية خط هيثرو .. فالقرار الوزاري، والصادر عقب نتائج لجنة التحقيق، لم يتحدث عن مجلس إدارة شركة سودانير الذي في عهده (ضاع الخط)، بل تحدث بوضوح عن مسؤولية شركتين – عارف والفيحاء – وهي في الأصل (شركة واحدة)، ثم عن مسؤولية رجلين – المدير المكلف والمستشار الأجنبي – إنتقل أحدهما إلى رحمة مولاه وغادر الآخر إلى بلاده .. ومن ينتظر حقوقاً من هذا وذاك، عقب المساءلة والتحقيق والعقاب، فلينتظر (طويلاً).. (مين عارف)، عسى ولعل يبعث الله أحدهما إلى الحياة ويعيد الآخر إلى السودان، لنرصد جلسات ( المحاكمة)..!!
:: وكما سألت قبل خمس سنوات، هل القضية هي بيع خط هيثرو أم بيع شركة سودانير ؟..فالبعض يعشق في الأفلام الهندية (رقصها)، وفي الأفلام الأمريكية (أكشنها)، ولا يبالي بقصة الفيلم، وهكذا حال من يتابع قضية خط هيثرو.. وبالمناسبة، جحا كان أذكى من باعة النقال الوطني .. وكما تعلمون، باع جحا داره لجاره بسعر زهيد ، ثم غرس مسماراً في جدار الدار، وألزم الجار بأن عقد بيع الدار لايشمل المسمار، فوافق الجار – بسذاجة – على هذا النص الغريب..وبتلك الموافقة، ظل عمنا جحا يطرق باب الجار يومياً، وأحياناً مرتين في اليوم، ليتفقد حال مسماره، فاستاء الجار وهرب من القرية تاركاً الدار و (مسمار جحا).. وكهذا صار الحدث مثلاً شعبياً..!!
:: ومن يقرأ عقد بيع شركة سودانير لعارف والفيحاء، لن يجد مسمار جحا المسمى حاليا ب (خط هيثرو).. عقد البيع يشمل بيع الشركة بكل ورشها، و طائراتها ومقارها و مكاتبها الخارجية ومحطاتها (المحلية والأجنبية)..وكذلك بالعقد، عندما تقرأه طولاً وعرضاً وقمة وقاعاً، لن تجد نصاً يلزم عارف والفيحاء بعدم بيع سودانير – أو أي أصل من أصولها، خطاً كان أو مكتباً – لأية جهة.. وهذا شئ طبيعي، إذ ليس من العقل أن تبيع سيارتك لجارك بشرط عدم بيع المقعد الخلفي أو الباب القدامي لأي كائن في المستقبل .. كان يجب عدم بيع خط هيثرو في عقد بيع الناقل الوطني (زي مسمار جحا)، إن كان هذا الخط أهم من (الناقل كلو)..!!
:: وعليه، فالأسئلة التي كان يجب أن تُضخم (قضية خط هيثرو)، بحيث تكون (قضية بيع سودانير)، هي : لماذا تشغل الحكومة الناس والصحف – منذ سنوات – بقضية مسمار في جدار الدار، رغم علمها أن لشاري الدار حق نزع المسمار ورميه في برميل نفايات، ناهيكم عن بيعه؟.. ولماذا تغض الحكومة الطرف عن القضية الجوهرية، وهي ملابسات بيع الدار ذاتها بكل جدرانها ونوافذها وأبوابها و(مساميرها).؟ .. تلك هي الأسئلة التي يجب أن تشغل الأذهان، وإجاباتها سوف تعيد قضية بيع الناقل الوطني إلى سطح الأحداث..والبحث عما حدث لسودانير أفضل – للناس والبلد – من البحث عن مصير خط لم يكن الشاري ملزماً بعدم بيعه عندما إشتراه.. ولكن هذا النوع من البحث العميق بحاجة إلى إرادة تصلح ما أفسده الدهر ..!!