مزمل ابو القاسم

ثلاثة ملايين محروم


* كل الأمم العظيمة، وحتى الدول الغنية، تراهن على مستقبلها أكثر مما تعوِّل على الحاضر مهما بدا مشرقاً وزاهياً، وتولي النشء كامل عنايتها، وتوفر لهم أنظمة تعليم مُحكمة، تتوافر فيها كل معينات الرعاية والاهتمام، بدءاً بالمقار المهيأة، والمعلمين المؤهلين، ومعينات الإجلاس، وانتهاءً بالإشراف التربوي الدقيق، وحتى التغذية الجيدة والترحيل.
* مستوى العناية بالتعليم يعد من أهم محاور البرنامج الانتخابي لكل من يرغب في طرح نفسه لقيادة أي دولة محترمة، لأن التعليم صار مثل الماء والهواء، لا غنى عنه لأي أمة ترغب في حماية مستقبلها وتأمينه.
* قبل فترة أعلنت منظمة اليونسيف أن أكثر من ثلاثة ملايين طفل سوداني محرومون من حقهم الطبيعي والأخلاقي (وحتى القانوني) في التعليم، بسبب الفقر والنزاعات المسلحة وغياب برامج العناية بالتعليم الأساسي في بعض المناطق النائية، بخلاف ظروف معيشة (الرُّحَّل) التي تفرض على بعض الأطفال مرافقة ذويهم أينما حلوا ورحلوا.
* هذا إذا لم نعتبر ملايين الأطفال الذين يتلقون تعليمهم في ظروف بالغة السوء داخل المدارس الحكومية من ضمن المتسربين من أنظمة التعليم الأساسي.
* الظروف التي تعمل فيها غالبية المدارس الحكومية لا تساعد على تقديم خدمات تعليمية متكاملة ولا حتى مقنعة، بسبب استمرار هجر المعلمين الأكفاء لمهنتهم (لقلة عائدها المادي)، وضعف المعينات التربوية، وسوء حال مقار تلك المدارس، حتى في العاصمة، ناهيك عن الأطراف البعيدة.
* قبل فترة أرسل لي أحد الأصدقاء صوراً صادمة لمدرسة أساس في إحدى قرى ولاية نهر النيل (الحُقنة)، تهدمت فيها الفصول، وانعدم السور، وغابت المرافق الصحية، ناهيك عن الكهرباء والمقاعد والأدراج وخلافه.
* الأطفال يجلسون على الأرض.. السبورة متآكلة.. الجدران متهدمة.. السقف مفتوح على مصراعيه للشمس، وحال الأطفال يغني عن السؤال.
* مظاهر التسرب من مرحلة الأساس تتبدى بجلاء في كل شوارع العاصمة، وبالتحديد في الإشارات المرورية، حيث يتجمع الأطفال، إما للتسول أو لبيع بضائع محمولة في الأيدي الغضَّة.
* تتكرر تلك المشاهد في كل شوارع الخرطوم، وبالقرب من وزاراتها السيادية، من دون أن تثير حمية الدولة، أو تستفز القائمين على أمر التعليم والرعاية الاجتماعية.
* إذا كان الحال بذلك السوء في عاصمة البلاد، فمن الطبيعي أن تكون الأوضاع أكثر تفاقماً وأشد سوءاً في الأصقاع البعيدة، ومناطق النزاعات التي حولت ملايين المواطنين إلى نازحين، ودمرت مستقبل أبنائهم بحرمانهم من التعليم.
* مضى زمن كانت فيه مدارس السودان وجامعاته تقدم لطلابها كل ما يعينهم على التفوق، وقد كنا شهوداً على ذلك الزمن الزاهي الجميل.. ليته يعود.
* سوء حال التعليم الأساسي أجبر مئات الآلاف من الأسر على تحويل أبنائها إلى المدارس الخاصة، بحثاً عن فرص تعليم أفضل، بعد أن تضاءلت الثقة في تعليم حكومي يفقد كل صباح المزيد من بريقه القديم، حينما كانت مدارسنا تنافس نفسها – على قلتها – في التجويد.
* حال المدارس الحكومية في السودان مؤلم، بل صادم، فهل من معين؟


تعليق واحد