زاهر بخيت الفكي

أين هو الرشيد يا أبو العتاهية..؟


دخل أبو العتاهية على الرشيد حين بنى قصره ، وزخرف مجلسه ، واجتمع إليه خواصه ،فقال له:صف لنا ما نحن فيه من الدنيا فقال:
عش ما بدا لك آمناً في ظلّ شاهقة القصور
فقال الرشيد: أحسنت ..ثم ماذا؟ ..فقال:
يسعى إليك بما اشتهيت لدى الرواح وفي البكور
فقال: حسن، ثم ماذا..؟ فقال :
فإذا النفوس تقعقعت في ضيق حشرجة الصدور
فهناك تعلم موقناً ما كنت إلا في غرور
فبكى الرشيد بكاء شديدًا حتى رُحِم، فقال له الفضل بن يحيى: بعث إليك أمير المؤمنين لتسره فأحزنته، فقال له الرشيد: دعه فإنه رآنا في عمى فكره أن يزيدنا عمى..
أين أنت أيُها الرشيد الرشيد فى زماننا هذا..؟
قصور شامخات ..فيها ما تشتهى الأنفس وتلذ بها الأعين..
سيارات فارهات مثنى وثلاث ورباع وربما أكثر..
نساء حسناوات يتوسدن الحرير ويلبسن الذهب الخالص..
أموال طائلة يمتلكها هؤلاء ويا ويلك يا أبا العتاهية إن أردت أن تنصح أحدهم حتماً سيُبكيك هو بجارح القول وسوء اللفظ وغلظة المعاملة ، رشيدُنا يبكى فرحاً حين يجد من يُعينه على أفعاله ويُزين له قبيحُها وكلها قبيح ، يبكى فرِحاً بما جمعه وبما امتلكه من متاع الدنيا بوسائل وطرق إلى الهلاك والويل هى أقرب ، كم من قُصورٍ شُيدت وزُخرفت واستُجلب لها الأثاث الفاخر والخدم المُميزات من أقاصى الدنيا فى زماننا هذا وفى وطننا المأزوم ، وطنٌ يزداد فيه الفقراء فقراً والأثرياء ثراءً وغاب فيه أبوالعتاهية أو رُبما غيبوه زُهداً فى نُصحه وارشاده..
لمن هى الأموال التى شُيدت بها القصور الشامخات والبنايات الشاهقات..؟
رُبما الأنانية المُفرطة المُتسيدة على ثقافة عصرنا هذا والتى يؤثر فيها رشيد اليوم نفسه وليذهب غيره إلى جحيم الفقر والفاقة ، عجباً وهو الأقرب إلى الله المتفقه فى إمور دينه العالم بها ومن أنت أيها الفقير المُعدم ( الحاسد ) وقد آتانى الله من فضله ونعمه ما حبسهُ عنك ، يأخذه الغُرور بعيداً وينسى ماضٍ قريب كان الفقر مُلازماً له وفيه نشأ ومنه جاء إلينا يسعى شأنه وجميع زملاءه من الساسة وقادة الشأن العام اليوم ومن يتربعون على عرش الثراء الفاحش.
عجباً وهم من تشبهوا بالأمس القريب بسيد المرسلين صاحب الخُلق العظيم سيدنا مُحمد صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام ومآثره ومن بيدهم كان تأصيل أشياءنا وربطها بالمنهج الرسالى ، إنهم لم يكونوا أنصاراً للمعسكر الشرقى المُلحد ولا الغربى الرأسمالى المُترف ..
ولا لدُنيا قد عمِلوا ..
أين هم الأن..؟
وذاكرتنا لم تنسى بعد ..
ذهبت الأقوال يا أبا العتاهية
من أين لكم هذا ومن يُبكيكم ويُعيدكم إلى منهج الرشيد الرشيد..؟
والله المُستعان..
بلا أقنعة..
صحيفة الجريدة…