تحقيقات وتقارير

بسبب المصالح: تراجع المواقف سياسياً.. للضرورة أحكام


ثمة مثل سوداني راسخ يؤكد أن (الرجال مواقف) فقد أصدر المجتمع أحكاماً ربما تكون قاسية على الرجل خاصة الذي يمارس العمل السياسي فبينما يقيس الكثيرون رجولة الذكر بالثبات علي موقفه، نجد أن اللعبة السياسية تتطلب عدم الثبات في الموقف فكل شيء جائز إستعماله لكسب جولتها وما بين مجاراة السياسية والثبات علي المبدأ تظهر معادن الرجال، فقد كُثر في الآونة الأخيرة تراجع الأحزاب عن مواقف عرفت بها، وأصبح تبادل المصالح يتحكم فيها عملاً بمبدأ ميكافيلي (الغاية تبرر الوسيلة) وقد خلق ذلك عدم ثقة للجماهير والرأي العام في القيادات والأحزاب، عموماً التراجع عن المواقف فرضته الكثير من المعطيات الداخلية والخارجية التي تحيط بهذه القيادات أو أحزابها، ومن يظل علي رأيه أو مبدأه يعزل تماما عن المجتمع.

التغيير الذي فرضه العمل السياسي بحكم أنه لعبة مفتوحة علي كل الإحتمالات سواء كانت سلباً أو إيجاباً، أصبح عصياً علينا أن نميز بين الخبيث والطيب حتي يقضي الله بنا أمراً كان مفعولا، فواقع الأمر والحال يؤكد أن التراجع عن الوقف يعد سقوط لكل القيم والمبادئ النبيلة التي يقوم عليها الشعب، كما يمثل أنتهازية سياسية تعبر عن نزوح شهوي نحو السلطة والمال لا تتعلق بمبادئ حزب وذلك لأن المبادئ لا تجزأ، وليس من السهولة تراجع شخص أو حزب عن موقفه إلا بعد أستنفاده لكافة وسائل المقاومة، وكذلك رهق وإنهاك قوته نتيجة لضغوط يعيشها مادياً أو نفسياً، فيجئ التراجع لإنسداد أفق الحل لدى الأحزاب وإستنفاد الحكومة لحيلها، غير أن البعض يري أن تراجع الأحزاب عن مبادئها وقبولها بتسوية أو شراكة مع النظام بين ليلة وضحاها وتحولها من أقصي اليسار الي أقصي اليمين، غالبا ما يكون وراءه مصالح جعلت الطرفين يرضخان لسياسية الأمر الواقع فبعض الأحزاب لها مصالح مع الحكومة لذلك تلجأ لمساومتها.

يحفل المشهد السياسي في السودان بالعديد من المواقف المتضاربة بين الأحزاب في عدد من القضايا الوطنية، فالتراجع عن الموقف رغم رغم أن البعض يراه ضعف أو تنازل إلا أنه في كثير من الأحيان يمكن وصفه بالمقولة الشهيرة (الضعف في بعض المواقف قوة) فالأزمة السودانية التي ظلت البلاد تعاني منها منذ الأستقلال رغم تعنت الأطراف المتصارعة حولها علي مدي 21 عاما وهي أزمة جنوب السودان إلا أنه لم يكن هناك حلا غير تناسي الأحزاب لمأسيها السابقة والجلوس لحل يرضي جميع الأطراف غير أن البعض قد أعاب علي الوطني النكوص عن ما كان يردده بعدم السلام إلا في الميدان، وأعيب أيضا علي الحركة الشعبية سقوط راية النضال، فالتراجع أوالتنازل في الفعل السياسي فرضا لجهة أنه يجنب الكثير من الفتن ويحقن كذلك الدماء.

فهناك كثير من المواقف نذكر منها علي سبيل المثال لا الحصر كانت مثار جدل وتوقف للمراقبين والمتابعين للشأن السوداني، فمنهم من فسر ذلك التراجع خاصة إذا كان من جانب الحكومة بأنه خروج من مأزق أو أزمة ، أما إذا كان من جانب القوى المعارضة فدائماً ما يفسر علي أنه مصالح شخصية، فالشاهد في الأمر أن الحكومة بعد خروج المهدي من الحوار وتوقيعه لعدد من الإتفاقيات قد قطعت بعدم دخوله للخرطوم إلا بعد أن يعتذر منها ثم عادت وأصبحت من الحالمين بعودته، أيضا في وحدة غير معلنة تراجع المؤتمر الشعبي عن خصومته لنديده الوطني بعد فرقة دامت 16 عاما، وقد حملت مفاجأة التشكيل الوزاري لحكومة الخرطوم إعلان إسم الكاتب الصحفي الأستاذ حسن إسماعيل ضمن التشكيلة الجديدة لحكومة الولاية، وزيراً لوزارة الحكم المحلي، والشاهد على كلمة حسن إسماعيل في تأبين الشهيد صلاح سنهوري، لن يتوقع أبداً أن يأتي يوماً يصبح فيه أبو علي وزيراً في حكومة للمؤتمر الوطني، حيث عرف الرجل بأنه من المحسوبين على حزب الأمة إبان دراسته الجامعية لكنه إنضم بعدها لجناح مبارك الفاضل، لذلك لم يتوقع أحد أن يكون حسن إسماعيل ضمن التشكيل الوزاري الجديد لحكومة ولاية الخرطوم، كونه من المجاهرين بالرأي الحق، والقلم الصادق في التناول والطرح، لكنها السياسة لا تعترف بالمبادئ، لذلك ربما تكون للضرورة أحكام.

عايدة سعد
صحيفة ألونا