استشارات و فتاوي

ما حكم عمل المرأة لنفع المجتمع؟


فضيلة الشيخ د عبد الحي يوسف
الأستاذ بقسم الثقافة الإسلامية بجامعة الخرطوم

السؤال:

أنا أعمل مهندسة برمجيات في إحدى الشركات ولا أختلط بالرجال، وأعمل بإذن زوجي، ولا أقصر في حقوق أسرتي، وأعمل لأفيد مجتمعي بما تعلمته، ولأتصدق بجزء من راتبي وأشارك في المشاريع الخيرية، فهل يعتبر عملي أمر مستحب أم لا؟

الجواب:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فأسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياك سداد القول وصلاح العمل وسلامة القصد، وجواباً على سؤالك أقول: إن المسلم يتعلَّم من نصوص الشريعة الموازنة بين المصالح والمفاسد في تقدير أموره كلها، إذ لا تكاد تخلص للمرء مصلحة ولا مفسدة، بل أغلب المصالح مشوب بمفسدة أو مفاسد، وكذلك المفاسد لا تخلو من مصلحة أو مصالح، وفي القرآن الكريم قول ربنا جلَّ جـلاله {ويسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس} والاعتبار بما يكون غالباً ظاهراً من المصلحة أو المفسدة، ولذلك قال الله عن الخمر والميسر {وإثمهما أكبر من نفعهما} وقال سبحانه عن القتال {كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون} وقال في حكم آخر {إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن الله عليم حكيم}
وقد رأيت في صيغة السؤال ذكراً للمصالح المتوخاة من العمل الذي تقومين به، من إفادة المجتمع والتصدق بجزء من الراتب مع عدم التقصير في شئون الأسرة، وقد يطرح شخص آخر السؤال ويذكر جملة من المفاسد فيقول: إن عمل المرأة يترتب عليه مزاحمة الرجال وتضييق فرص العمل عليهم، وحصول الاختلاط ولو بصورة ما، مع ما في عملها من تضييع كلي أو جزئي لحقوق الزوج والعيال، واضطراب أمر المجتمع حين تختلط المسئوليات بين الجنسين، بالإضافة إلى خروج المرأة عن طبيعة خلقتها وسواء فطرتها المبنية على الحياء والخفر، ويورد في ذلك تقارير عن حال المرأة الغربية التي سلكت هذا السبيل من زمان بعيد، وكيف أنها تتمنى الرجوع إلى بيتها والقرار في مخدعها. حيث توصلت نتائج دراسات أذاعتها وكالات أنباء غربية في 17/7/1991م إلى أنه خلال العامين السابقين هجرت مئات من النساء العاملات في ولاية واشنطن أعمالهن وعدن للبيت. ونشرت مؤسسة الأم التي تأسست عام 1938 م في الولايات المتحدة الأمريكية أن أكثر من 15 ألف امرأة انضممن إلى المؤسسة لرعايتهن بعد أن تركن العمل باختيارهن. وفي استفتاء نشرته مؤسسة أبحاث السوق عام 1990م ، في فرنسا أجري على 2.5 مليون فتاة في مجلة ماري كير كانت هناك نسبة 90% منهن ترغبن العودة إلى البيت لتتجنب التوتر الدائم في العمل ولعدم استطاعتهن رؤية أزواجهن وأطفالهن إلا عند تناول طعام العشاء. وفي الولايات المتحدة 40% من النساء العاملات، وفي السويد 60 % منهن، وفي ألمانيا 30%، وفي الاتحاد السوفييتي (سابقاً) 28 % يعانين من التوتر والقلق وأن نسبة 76% من المهدئات تصرف للنساء العاملات. أما في الاتحاد السوفييتي فقد ذكر الرئيس السابق (جورباتشوف) في كتابه عن البروستريكا أن المرأة بعد أن اشتغلت في مجالات الإنتاج والخدمات والبناء وشاركت في النشاط الإبداعي لم يعد لديها وقت للقيام بواجباتها اليومية من أعمال المنزل وتربية الأطفال. وأضاف قوله: (لقد اكتشفنا أن كثيراً من مشاكلنا في سلوك الأطفال والشباب وفي معنوياتنا وثقافتنا وإنتاجنا تعود جميعاً إلى تدهور العلاقات الأسرية، وهذه نتيجة طبيعية لرغبتنا الملحة والمسوَّغة سياسياً بضرورة مساواة المرأة بالرجل). وفي دول الخليج ظهرت مشكلة من لون آخر فقد زاد عدد المربيات الأجنبيات بسبب عدم تفرغ الأم لرعاية أطفالها، ولو وضعنا في الاعتبار أن نسبة كبيرة من هؤلاء المربيات غير مسلمات، وأن معظمهن يمارسن عباداتهن الخاصة أمام أطفال المسلمين، وأسوأ من ذلك أنهن يزاولن علاقات جنسية مع أصدقاء في منازل مخدوميهن بالإضافة إلى احتسائهن للخمر وتدخين السجائر بمصاحبة الأطفال، ومن ذلك ندرك حجم الخطر الذي يهدد الأسرة المسلمة بسبب تحرر المرأة من تعاليم دينها وإهمالها لواجباتها نحو أولادها وبيتها.ا.هــــــــــــ
ولذلك أرجع إلى الأصل فأقول: إن خيراً للمرأة والرجل معاً أن يتقاسما المسئولية فيما بينهما؛ فتكون مسئولية العمل خارج البيت ملقاة على عاتق الرجل الذي كُلِّف شرعاً بالسعي على طلب الرزق والإنفاق على الزوجة والعيال، وتكون مسئولية العمل داخل البيت على عاتق المرأة؛ فيحصل بذلك التكامل بينهما، ويتحقق قول النبي صلى الله عليه وسـلم (إنما النساء شقائق الرجال)
ولا ينفي ذلك أن العمل قد يكون مطلوبا واجبا في حق المرأة فيما لو كانت بحاجة إلى العمل – كما في الحال التي لا تجد فيها من ينفق عليها أو يعولها – أو كان العمل بحاجة إليها – كما في مجالات التطبيب وتعليم النساء والفتيات وما أشبهها.
وألفت انتباه السائلة الكريمة إلى أن الحكم الشرعي العام بالاستحباب أو الكراهة لا يصدر بناء على حالة خاصة تصور من خلال سؤال يطرحه أحد الناس، والقاعدة الفقهية تقضي بأن العبرة للأعم الأغلب لا للشاذ النادر، ولو أن منصفاً طرح السؤال فقال: هل عامة النساء العاملات خارج البيت مقصرات في حقوق الأسرة أم لا؟ وهل من سبيل لاستفادة المجتمع منهن سوى مزاحمتهن للرجال في مجالات أعمالهم أم لا؟ وهل الأصل قرار المرأة في بيتها أم خروجها للعمل؟ لحصلت الفائدة للجميع بالإجابة الصادقة والنقد التام، والله الموفق والمستعان.