مقالات متنوعة

محمد لطيف : ليتني.. احتجبت اليوم!


أمس تحدثت مطولا إلى نفسي.. وكانت الخلاصة أن أحتجب اليوم.. وأكف عن الكتابة.. ثم رحت أقلب في الأعذار لأنتقي أكثرها مناسبة للموقف.. وأدفع به للناشر.. إن سألني.. فالناشرون أحيانا لا يسألون حتى ينتابك الإحساس أنه.. أي الناشر.. لم يفتقدك أصلا.. لتدخل في موجة من التطمين الذاتي.. مقنعا نفسك أن الناشر مشغول بأمور أخرى أهم منك لذا لم ينتبه إن كتبت أو قرأت.. وفجأة ينتفض الناشر في وجهك بسيل من الاحتجاجات على غيابك.. حتى تصدق أنك مهم فعلا.. فتهرول إلى البحث في ما تكتب.. ثم تهرول في جمع المعلومات.. ثم تهرول في الكتابة.. والناشر ينظر إليك تخيلا.. وهو يتبسم..!
ثم عدلت عن البحث عن الأسباب.. فقد عنّ لي أن ناشرنا سيكون سعيدا هذا الصباح مبتهجا بانتصار المريخ التاريخي.. فرحا بصعوده إلى المباراة النهائية.. مشغولا بتصفية حساباته.. القديمة والجديدة مع.. الهلالاب.. ولن تكون له مساحة من الوقت للتوقف عند هذه الصفحة.. ومعرفة من كتب.. ومن لم يكتب.. ثم راح تفكيري بعيدا.. وأنا أتخيل بعد كل جهود التحضير من كتاب الأعمدة.. ومن فريق المنوعات.. وقسم التصوير.. وقسم المعلومات.. بعد كل هذه الجهود أن الناشر قد اتخذ قرارا شخصيا.. بفتح الصفحة الأخيرة.. إما لتغطية الحدث التاريخي.. أو نشر إعلان يهنئ بالحدث التاريخي.. وناشرنا ديمقراطي جدا.. ومبدأ الشفافية عنده مقدس.. فهو ما أن يتخذ قرارا تحريريا.. مثل هذا.. فاعلم يا هداك الله أن هذا القرار هو أول ما تلتقيه حين تتصفح الصحيفة صباحا.. صحيح أنك لا تجد نص القرار.. ولكن الصحيح أيضا.. أنك تجد آثاره بادية للعيان.. حيث تجد أن كل مواد الصفحة الأخيرة.. قد توارت إلى الداخل.. وحلّ محلها.. تغطية خاصة.. أو إعلان.. وبلغ خيالي لهذا الحد فتعززت حيثيات عزوفي عن الكتابة اليوم.. فاطمأن قلبي.. وأنا أردد بمنتهى اليقين أن ناشرنا غدا سيكون في واد آخر.. ولن يكترث كتبنا أم لم نكتب..!
ولكن.. وأعوذ بالله من لكن.. فقد برز الخيار الثاني أمامي مكشرا أنيابه.. أو قل.. على شفتيه ابتسامة صفراء.. فقد خامرني إحساس مرعب.. ماذا إذا خسر المريخ بطاقة التأهل لصالح مازمبي؟.. كيف يكون حال ناشرنا اليوم..؟ لا شك أن سمه سيكون فائراً.. ومزاجه سيكون عكراناً.. وربما حكم على كل من احتجب اليوم.. بالاحتجاب النهائي.. بل وربما ذهب أكثر من ذلك متهما المحتجبين بالتواطؤ..!
عند هذا الحد أصدقكم القول.. شعرت بقشعريرة تسري في جسدي.. وهاتف يهتف في داخلي.. ليس هناك شيء مضمون.. فقد يلعب المريخ ويكسب مازيمبي.. وقد يكسب المريخ ولكن يكون للحكم رأي آخر.. وقد لا يحدث أي شيء من هذا.. ولكن يكون للناشر.. في هذا اليوم بالذات.. رأي آخر.. فتوجست خيفة من العواقب.. فسارعت إلى الكتابة.. رغم ثقتي في المريخ.. وعدم الاحتجاب اليوم.. مع تأكيد عدم مسؤوليتي عما كتبت اليوم..!