الطيب مصطفى

انقذ الحوار أخي الرئيس


كنا ولا نزال نحن في منبر السلام العادل نؤمن ونعتقد اعتقاداً جازماً أنه لا خيار لحل الأزمة السودانية غير الحوار كخيار استراتيجي، يقف في الطرف المقابل له الحروب التي ظلت تؤرق مضجع السودان وتقتل أبناءه وتعطل مسيره وتنهك اقتصاده وموارده لعقود من الزمان والتي نرى تجليات لهيبها المستعر في دول قريبة كانت آمنة مستقرة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان، فإذا بها تتمزق أيدي سبأ وتتمزق كل ممزق الأمر الذي جعلنا أكثر حرصًا على تجنب مصيرها الجهنمي.
ذلك ما دعانا لتجاوز كل الخروقات التي حدثت من الحكومة لخارطة الطريق ولاتفاق أديس أبابا اللذين تم اعتمادهما في الجمعية العمومية للأحزاب التي ارتضت الحوار استجابة لنداء رئيس الجمهورية بما في ذلك نقض مطلوبات تهيئة المناخ من خلال إجراء الانتخابات بعيدًا عن التوافق حول تشريعاتها وفقاً لما نصت عليه خارطة الطريق والتضييق على الحريات وتكميم الأفواه وتجاوزنا عن كل ذلك وتراجعنا عن قرار تحالف القوى الوطنية القاضي بتجميد الحوار وانخرطنا من جديد في اجتماع الجمعية العمومية المنعقد في العشرين من أغسطس على أمل أن يحدث انفراج في المناخ السياسي سيما بعد أن تم الاتفاق على تفويض الموفقين الذين عولنا كثيرًا على قيامهم بدور إيجابي لإقناع مختلف الأطراف على المشاركة في الحوار بعد تقديم الحكومة للضمانات اللازمة للرافضين للحوار وإقناعها بالإذعان لمطلوبات تهيئة المناخ وخلق الأرضية الملائمة للتراضي والتوافق الوطني بين جميع القوى السياسية بما يمهد الطريق لقيام حوار شامل يجمع مختلف القوى السياسية بما فيها الحاملة للسلاح تحت سقف الحوار الوطني في العاشر من أكتوبر القادم.
مما زادنا أملاً واستبشارًا في نجاح الحوار إصدار الرئيس مراسيم جمهورية لإطلاق سراح المعتقلين ووقف إطلاق النار وكان لتلك المراسيم أثرها الواضح في إشاعة مناخ مفعم بالأمل والتفاؤل وتهيأ الشارع السياسي لعودة السيد الصادق المهدي للمشاركة في الحوار كما تهيأ لانخراط الحركات المسلحة وبدأ العد التنازلي لموعد الحوار الذي بات قاب قوسين أو أدنى ولكن!!!
في تلك اللحظات الحرجة والناس مهيأون ومستبشرون بأنفاس متقطعة بين الخوف والرجاء فُجعنا بخبر أوشك أن يطفئ الأمل الذي اشرأبت إليه أعناقنا فقد مُنعت بعض قيادات المعارضة من السفر !
كانت تلك الواقعة بمثابة ردة كبيرة وتراجع وضربة موجعة للحوار وللضمانات التي كان المعارضون في الخارج يطلبونها وكانت ردًا عملياً من السلطات المختصة أنهى الجدل حول مدى توافر الضمانات للمشاركين في الحوار فقد بذلت الوعود وقدمت التعهدات الشفهية للسيد الصادق المهدي ولقادة الحركات المسلحة أنه لا شيء يحول دون مغادرتهم السودان مرة أخرى في حال فشل الحوار في أن يفضي إلى اتفاق سياسي ينهي الأزمة ويتوافق فيه المتحاورون على تراضٍ وطني ينهي الحرب وينقل السودان إلى مربع جديد يؤوب فيه الجميع إلى المسار الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة بعيدًا عن الاحتراب الذي أهلك الحرث والنسل وقعد بالسودان الذي كان موعودًا ببلوغ الثرياً تقدماً وعزًا ومجداً عشية الاستقلال.
للأسف فإن آلية الاتحاد الافريقي نأت بنفسها منذ أن رجع رئيسها أمبيكي من آخر زيارة له إلى السودان مغاضباً بل وهددت بنقل الأمر إلى مجلس الأمن الدولي إن لم يحقق الحوار مطلوباته الوطنية خلال 90 يوماً .
الأمر الآن يحتاج لتدخل السيد الرئيس فهو الأحرص فيما أعلم في هذه المرحلة على إنجاح الحوار ولذلك فإني لأرجو أن يقوم بالآتي: أولاً لا فائدة لحوار منقوص لا يوقف الحرب ويحقق السلام ومن شأن انعقاد المؤتمر بدون مشاركة السيد الصادق المهدي والحركات المسلحة أن يجعل كثيرًا من القوى الوطنية بما في ذلك أحزاب تحالف القوى الوطنية وقوى التغيير وقوى الإجماع الوطني وغيرها تنسحب أو تتراجع عن المشاركة، لذلك فإني لأرجو في حالة عدم مشاركة معارضة الخارج أن يؤجل المؤتمر ويقود الرئيس بنفسه مساعي إنجاح الحوار من جديد ويمنع أي خرق يمكن أن يعوق انطلاقه.