عبد الجليل سليمان

ترسيم لخارطة غندور وكيري


قبل أيام، حفلت بعض الصحف الخرطومية واحتفلت بما أطلقت عليها (خارطة طريق) لتطبيع العلاقات بين الخرطوم وواشنطن بموجب اتفاق انعقد بين سكرتير الدولة الأميركية (جون كيري)، ووزير خارجية السودان إبراهيم غندور.
في الواقع، يبدو أن ذلك لم يحدث قط. وإنما انحصر لقاء الوزيرين في فندق (نيويورك بلس هوتيل)، بحضور كل من (ليندا توماس) مساعدة كيري للشؤون الأفريقية، والسفيرة سمانثا باورد، مندوبة أميركا في الأمم المتحدة السفير دونالد بوث المبعوث الأمريكي للسودان، حيث أكد كيري رغبة بلاده في تحسين علاقاتها مع السودان، وأشار إلى أن الإدارة الأميركية تتابع بدقة ما يحدث في النيل الأزرق وجنوب كردفان ودارفور، مطالباً السودان بلعب دور أكبر. في معالجة هذه المشكلات، وكشف أنهم يدرسون كيفية معالجة قضية التحويلات المالية، وأن العقوبات المفروضة على السودان سيتم معالجتها حال انتفاء أسبابها، وأن على الحكومة مواصلة المفاوضات مع أطياف المعارضة من أجل إحلال سلام دائم، عبر عملية سياسية يشارك فيها أكبر عدد من السودانيين.
إذن، ليست ثمة خارطة طريق انعقدت، وإنما تفاهمات على الحد الأدني الذي فيما لو حقق فيه السودان تقدماً فإن احتمال رفع بعض العقوبات عنه سيكون أمراً قابلاً للنقاش، أما مسألة إعفاء الديون البالغة نحو 46 مليار دولار، فإنها تتطلب إجراءات سياسية وفنية واقتصادية بالغة التعقيد، لذلك فإنه من الصعب جداً تحققها دون دعم غربي، ما يتطلب تنازلات كبيرة، والدليل على ذلك أن وزير الخارجية إبراهيم غندور اتهم واشنطن بعرقلة استحقاق السودان لهذا الإعفاء رغم أنه يصنف ضمن الدول الأكثر فقراً والأقل نمواً.
الأمور صارت واضحة، فبالنسبة للجانب الأميركي، فإنه يريد تسوية سياسية نهائية، ابتداء بإنهاء الحرب، والكف عن دعم الإرهاب وبعض الفصائل المعارضة والمسلحة في جنوب السودان- بحسب ما أوردت (سودان تربيون) – والانخراط في نظام ديمقراطي تداولي يضمن للكل حق التعبير عن رأيه واختيار من يدير البلاد، واحترام الحريات العامة والخاصة والحقوق المدنية وحقوق الإنسان.
دون ذلك، فإن الحديث عن خارطة طريق يبدو أمراً يختزن سخرية وعبثية وسوء تقدير لرجاحة عقول القراء والسامعين، فما عاد هؤلاء سُذجاً يصدقون كل ما يتفوه به مسؤول كبير، فالأخبار ممدودة أمامهم لا مقطوعة ولا ممنوعة كما كانت سابقاً، والأنباء تجر أذيالهم خلفهم، كلما جاء أحد الكبار بإفك مسحته بالحقيقة.
والحقيقة إلى هذا وذاك، قادرة على اجتثاث أي نأمة كاذبة، وأي خيال كالخبال، لذلك فلنفكر كيف نعود طبيعيين بين منظومة دول العالم، نعطي ونأخذ ونتفاعل بإيجابية مع من حولنا وفقاً لمصالحنا، دون جنون وهتاف وصراخ، يعقبه ذل وانكسار و(تحانيس) من أجل رفع العقوبات والإعفاء عن الديون.