مقالات متنوعة

منى عبد الفتاح : حلم الفتى الأسمر


«المواطن الأمريكي البسيط يعيش حالة رعب من العرب والمسلمين بسبب رسائل الإعلام الأمريكي التي تظهرهم بصورة الإرهابيين».
هذه كانت إفادة عم الطفل الأمريكي من أصول سودانية أحمد محمد الحسن، الذي أوقفته شرطة تكساس واقتادته من مدرسته «مارك آرثر» بمدينة آرفينغ.
وكل ما فعله أحمد البالغ من العمر 14 عاما، هو صنع ساعة رقمية أحضرها معه إلى مدرسته، وعرضها على أستاذ الهندسة الذي أشاد بها، وأوصاه بألا يكشف عنها لبقية الأساتذة، إلا أن الساعة أبت إلا أن تغير مصير أحمد بتوجيه اختراعه هذا نحو الشهرة الممزوجة بتعاطف عالمي مما لقيه جراء إبداعه.
رنت الساعة من داخل حقيبته، أثناء إحدى الحصص إيذانا ببداية فصل جديد من الإسلاموفوبيا التي عانى ويعاني منها مسلمو أمريكا من أصول عربية على وجه الخصوص.
بالرغم من كل تصريحات ورسائل رد الاعتبار ـ من الرئيس الأمريكي باراك أوباما وهيلاري كلينتون ووكالة الفضاء الدولية (ناسا)، ومؤسس فيس بوك مارك زوكربيرج وإدارة تويتر وجامعات تكنولوجيا مرموقة قدمت له عرضا بأن يكون من ضمن طلابهاـ لهذا الطفل الذي لم يفعل سوى أنه يملك حلما يريد تحقيقه في بلاد الأحلام؛ إلا أن في النفوس شيئا من حتى.
وهذا الشيء يزداد كلما نبهت حادثة كهذه للوجود الإسلامي والعربي في الغرب عموما وفي أمريكا على وجه الخصوص.
ثار هؤلاء واحتجوا لحق أحمد بوصفه مواطنا أمريكيا، وهذا شيء جميل لا يحدث في أغلب بلدان العالم، ولكن حساسيتنا نحن المسلمين في المنطقة العربية والأفريقية والعالم الثالث، أكبر من ذلك.
هذه الحساسية لم تأت من عدم إنصاف لهذا الوجود في الغرب، فالمشهود له أن هناك مساجد ومراكز إسلامية عدة تقام فيها النشاطات والمناسبات الدينية في حرية وانسجام تام مع بعض مكونات المجتمع الغربي، ولكن تأتي الحساسية لمثل هذا النوع من التحامل الذي يتبناه اليمين المسيحي المتطرف في الغرب ويغذيه على حساب القيم الغربية التي تنادي بالحرية والعدل والمساواة.
وهناك بعض وسائل الإعلام تنتمي إلى هذا الجناح المتطرف والذي لا يكتفي بتغذية الشعور الجمعي الغربي بخطورة الإسلام وعدائيته وإنما بتوقعات ما يمكن أن تصل إليه هذه العدائية.
وأولئك يمثلون إزعاجا وقلقا للمعتدلين، مثل ما يسببه المتطرفون والإرهابيون في العالم الإسلامي من قلق.
ففي قول استشهدت به من قبل عن التوجس من صورة المسلم في الإعلام الغربي، فهي في الأساس صورة العربي المسلم وليس الإندونيسي أو النيجيري مثلما قال المفكر المغربي محمد عابد الجابري: «إن صورة الإنسان العربي في الإعلام الغربي صورة مصنوعة، عندما يفكر الغربيون في الإسلام فإنهم لا يفكرون في إندونيسيا التي يزيد سكانها على معظم تعداد الدول العربية، أو نيجيريا التي يزيد عدد سكانها على المائة مليون، لكنهم يفكرون في العرب».
ولنا نحن أن نتفكر في مدلولات هذا القول، من تفجير مركز التجارة العالمي بنيويورك في 26 فبراير عام 1993م، إلى أحداث 11 سبتمبر عام 2001م، إلى تفجيرات ماراثون بوسطن في 15 أبريل 2013م، والتي تمت جزافا باسم الإسلام.
أدت كل تلك الجرائم وغيرها إلى تقوية وتدعيم تيار العداء للإسلام في أوساط السياسيين والمثقفين الأمريكيين وحتى المواطنين العاديين.
فهل تقوى ذاكرة أمة مهما بلغت من الرحابة في تقبل الآخر، وإفراد مساحة له من أرضها ووطنها، يشاركه العيش والأمن والخدمات، في أن تمحو هذه الأحداث لتحل محلها صورة وردية؟ بالرغم من أنه ليس من المتوقع أن يحدث هذا في القريب العاجل، إلا أن أخذ المسلمين هناك بالشبهات يظل نوعا من التجني والظلم الذي لا يتناسب مع بلد «عظيمة» مثل أمريكا.