عبد الباقي الظافر

الاستسلام للحوار..!!


في الثاني من سبتمبر ١٩٤٥ كانت البارجة العسكرية الأمريكية (ميسوري ٦٦) تشهد حدثا تاريخيا..ممثلون من الحكومة اليابانية كانوا يصعدون إلى الباخرة ورؤوسهم إلى الأرض..القنابل النووية على هيروشيما وناجازاكي بجانب إعلان السوفيتي الحرب على طوكيو جعلت الإمبراطور هيرهيتو يخاطب شعبه عارضا الاستسلام للعدو الذي أحاط بالإمبراطورية من كل جانب..دقائق واليابان تعلن أقرارها بالهزيمة وقبولها بشروط الحلفاء..لكن كل ذلك لم ينه الحرب..جنود يابانيون تمردوا على تعليمات الإمبراطور ..لم تنته حالة الحرب بين موسكو وطوكيو بشكل رسمي إلا في العام ١٩٥٦..فيما خلافات الحدود بين البلدين مازالت قنابل موقوتة.
قبل أسابيع توقع حسبو عبدالرحمن نائب رئيس الجمهورية استسلام الحركات المسلحة للحوار..حسبت لحظتها أن التصريح كان يعني الرضوخ للسلام لا الاستسلام بمعناه المباشر..إلا أن المراجعة والتدقيق في مواقف الحكومة جعلتني أخذ التصريح على محمل الجد.
في العاشر من أكتوبر القادم سيبدأ الحوار في الخرطوم بمن حضر.. حزب الأمة أكد أن رئيسه الأمام الصادق المهدي سيكون من الغائبين رغم تلميحات الحكومة بأن الإمام ربما يصل الخرطوم في أي لحظة.. الناطق باسم الحكومة أكد أن قادة حركات معارضة سيصلون الخرطوم، ورفض الدكتور أحمد بلال تسمية هؤلاء القادة خوفا من تصفيتهم..وهنا يقفز سؤال بريء هل ستصالح الحكومة أفرادا في السر ..حركة الإصلاح الآن نفضت يدها من السلام وبدأت تخوض حرب استنزاف ضد الحكومة من شوارع الخرطوم.
بالإمس أهدرت الحكومة ضربة جزاء هيأها الرئيس التشادي إدريس دبي..في إنجمينا ،جمع الرجل ثلاث من قادة حركات دارفور عارضا وساطة مع الخرطوم..المعارض عبدالواحد نور كعادته غرد خارج السرب فارضا شروط تعجيزية..الدكتور جبريل إبراهيم ومني مناوي وضعا قائمة مطالب ليست مستحيلة ..حوار تحضيري خارج الخرطوم وإعلان وقف عدائيات بجانب انسياب الاغاثة للمحتاجين في مناطق النزاعات..التدقيق يجعلنا نعيد فحص الشروط ونجدها شرطا واحدا ..الحكومة من قبل أعلنت وقفا لاطلاق النار..كما ان توصيل الغذاء للمواطنين يظل واحدا من مهام الحكومة مها كانت الظروف.
الحكومة لم تكتف برفض فكرة الحوار التحضيري خارج الخرطوم..بل اتخذت إجراءات تهدم الثقة في بيئة الحوار..المعارضة المسالمة لا تستطيع ممارسة نشاطها في حرية ..قادتها لا يتمتعون بحرية التجوال ..بل أن الحكومة شرعت في محاكمة مجموعة من قادة حركة الاصلاح الآن بتهمة إثارة البلبلة والإزعاج العام..المتهمين لم يتم القبض عليهم في حفل ماجن ..بل نظموا مخاطبة سياسية سلمية في شوارع الخرطوم .
بصراحة..الحوار يعني تنازلات من الجانبين..أما الاستسلام فيعني فرض شروط المنتصر على المهزوم..البحث عن الاستسلام يكلف بلدنا فوق طاقته.