احلام مستغانمي

قُبل تُزهر في محطات القطار (1)


قبل فترة، بيعت قُبلة في المزاد العلني بمئة وخمسين ألف دولار. أمّا غلاؤها في زمن رخصت فيه القُبل، فيعود لكونها التقطت في الحرب العالميّة الثانية، لعاشقين يودّعان بعضهما بعضاً، في قبلة ملتهبة قد تكون الأخيرة، وخلفهما باب مفتوح لقطار يستعجل أخْذَ الحبيب مع آلاف المجنّدين إلى حتفهم المحتمل.
مثل فرنسي يقول ” قُبلة من دون عناق تشبه زهرة من دون رائحة ” لكن عندما يكون العناق مسكوناً بخوف الوداع الأخير ، تُزهر القُبل في محطات القطار ، بعنف عطر يأبى الرحيل ، بينما أرواح العشاق تذبل حرقةً .
ليست القُبلة، بل الرعب الإنساني أمام فاجعة الفقدان، هو الذي رفع ثمن تلك اللحظة المحمومة المذعورة ،التي خلّدتها عين الكاميرا، إلى سقف الصورة الأغلى لعاشقيْن مجهوليْن.
في الواقع، لم تكن صورة لعاشقين، بل لسبعين مليون شخص لقوا حتفهم في تلك الحرب اللعينة، وماتوا ميتة الحشرات، من دون أن تسعفهم الحياة بسرقة قبلة أخيرة من شفاه أحبّائهم. لذا لم نجد المبلغ المدفوع في تلك الصورة مرتفعاً ، لقد كانت الصورة في الواقع ، صورتنا . إنها تختصر قدر العشاق منذ الأزل . . مذ اخترع الإنسان الحروب .
تذكّرت تلك القبلة، عندما قرأتُ مؤخّراً، أنّ شاباً صينياً كاد أن يدفع حياته ثمناً لقُبلة في محطة القطار، عندما بقي متدلياً من النافذة بعد تحرّك القطار، عقب قيامه بتقبيل صديقته قبلة وداع طويلة.
كان الشاب سيلقى حتفه في “حادث حبّ” ، لولا أنّ رجل شرطة أمسك بساقيه المتدليتين، وصرخ في السائق أن يوقف القطار الذي تأخّر خمس دقائق بسبب قبلته تلك.
الخبر بالنسبة لنا ما كان في نجاة العاشق الصيني، بل في اكتشافنا أنّ للصينيين شفاه أيضاً، لاعتقادنا أنّ الصينيين كائنات بأيدٍ كثيرة فحسب تمكّنهم من صنع كل تلك الأشياء الصغيرة والكبيرة التي غزوا بها العالم. وأنّ لا وقت لديهم للحبّ الذي هو شغلنا الشاغل . فلم يحدث أن رأيناهم يتبادلون القُبل على الشاشة ، أو في الشوارع كما يفعل الأوربيون . ( يتبع )