مقالات متنوعة

منى عبد الفتاح : الدعم الروسي لسوريا ووعيد داعش


ذكّرني وعيد تنظيم داعش لروسيا، بالأهازيج الجهادية التي كان يردّدها نظام الإنقاذ في السودان ضد أمريكا وروسيا معًا في أناشيد الميليشيا المسلحة أو ما يُتعارف عليها بقوات الدفاع الشعبي. ومن تلك الأهازيج، مقطعٌ شهيرٌ يقول: “أمريكا روسيا قد دنا عذابها، عليّ إن لاقيتها ضرابها”. لم تمرّ السنوات من تبدّل الأحوال كثيرًا حتى ظهرت الأهزوجة على لسان قوات تنظيم داعش.

ما زالت روسيا تواصل دعمها العسكري واللوجستي لنظام بشار الأسد في قتل الشعب السوري بأطفاله ونسائه، وعندما سُئل بوتين برّر ذلك الدعم بأنّه يتماشى مع القانون الدولي، ضاربًا عرض الحائط بنص القانون الذي يمنع روسيا من بيع السلاح للدول التي تستخدمه ضد شعبها. بل بوتين نفسه وروسيا جزء لا يتجزأ من “الأزمة السورية”، كما أشار إلى ذلك وزير الخارجية السعودي الراحل الأمير سعود الفيصل في أعمال القمة العربية الـ 26 بشرم الشيخ.

جاء تصريح محللين في شؤون الجماعات المتطرفة في المناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش في العراق، بأنّ لهجة تلك الجماعات زادت من نبرتها العدائية باتجاه روسيا. ففي الموصل والأنبار رُصدت العديد من الخُطب والمحاضرات التي يُلقيها قياديو داعش مدعومة بالنشاط المكثّف عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ولم تخلُ اللهجة العدائية من التهديد والوعيد بالرد السريع في الداخل الروسي، في إشارة إلى استنفار ما أسموهم بأسود الشيشان لتنفيذ هذه المهام.

سيكون للتدخل الروسي في المنطقة ثمنه الذي لا يجب إغفاله، خاصة أنّها من أجل الطموح في لعب دور دولي مفقود، عملت على خسارة أطراف كثيرة. ولسوء حظ روسيا أنّ الأطراف التي تعاديها بهذا التدخل متنافرة أيضًا في علاقاتها، كما أنّ لعبة روسيا المركّبة وطموحها الآني يسلك طريقًا معقّدًا. فروسيا الداعمة للنظام السوري ستحارب داعش وقوات الثورة السورية معًا، وهذا ضد خط دول المنطقة، وضد توحد هدفها في القضاء على داعش والأسد.

من هنا تبرز النقطة الأكثر أهمية، وهي لصالح من تستعدي روسيا كل هذه الدول، علمًا أنّها لن تجني فائدة ملموسة مما تقدمه من النظام السوري؟ لعل أحداثًا سابقة كشفت بعض الحقائق عما تريد روسيا قوله وفعله. تلك الأحداث بدأت عندما تدخلت روسيا بالنصح قبل أن تكمل قوات تحالف “عاصفة الحزم” بقيادة المملكة العربية السعودية أسبوعها الأول، في العمليات العسكرية ضد الميليشيات المناهضة للشرعية باليمن، وردّ هجوم الحوثيين وقوات الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح. ذاك النصح كان قبل أن تدفع روسيا بمبادرتها مطالبة من الأمم المتحدة إلزام قوات تحالف “عاصفة الحزم” بتطبيق وقفات إنسانية في اليمن.

أثار ذاك الموقف الروسي الكثير من الدهشة الناتجة عن تذرعها بملف حقوق الإنسان، خاصة مع سجلّها الأسود في هذا المجال، وهي نفس روسيا بوتين التي طرحت هذه المبادرة لإجراء مشاورات في مجلس الأمن الدولي لمناقشة مسألة إلزام تحالف “عاصفة الحزم” بتطبيق “وقفات إنسانية”. فبدا أنّ هذا الموقف لا يعدو أن يكون مجرد مزايدات سياسية بثوب إنساني لروسيا التي تنتهك حقوق الإنسان في دارها وتنادي بها خارج الحدود.

وهي نفس روسيا التي استحقت عام 2013م تقريرًا مفصّلاً لهيومن رايتس ووتش بأنّها شنّت حملة قمعية استهدفت المجتمع المدني في العام التالي على عودة بوتين إلى الرئاسة، وهي الحملة التي تُعد غير مسبوقة في تاريخ روسيا منذ انهيار الاتحاد السوفييتي. ووصف التقرير لها بأنّها تشهد أسوأ مناخ لحقوق الإنسان في حقبة ما بعد الاتحاد السوفييتي.

تعود روسيا إلى التدخل في سوريا، بأكثر مما فعلت في اليمن، وأينما كانت إيران فهي بجانبها، ومثلما صرّحت هناك بأنّ لديها اتصالات مع جميع الأطراف اليمنية خاصة الحوثيين الذين طلبوا مساعدتها مع إيران، فإنّها في مناطق سيطرة داعش في سوريا والعراق لا تكتفي بتلبية المساعدة للأسد فقط وإنّما بالتمدد العسكري واللوجستي حامية ظهرها بإيران، بينما يصمّ آذانها وعيد داعش.