يوسف عبد المنان

لم النحيب!!


هل من سبب يجعل صحافتنا تنصب خياماً للحزن وسرادق للعزاء.. وبيوتاً للنحيب بمجرد فشل فريقي القمة الهلال والمريخ من نيل بطولة الأندية الأفريقية الأبطال لهذا العام وخروجهما معاً في الدور قبل النهائي؟؟ أم ما تحقق جدير بالاحتفاء وتمجيد اللاعبين والأجهزة الفنية التي وضعت الأندية السودانية في طليعة أكبر أندية في القارة هذا العام؟؟ إن الإسراف في التفاؤل والأماني غير المسنودة بمنطق وعقلانية والشعارات التي رفعتها صحافة الأندية وكتاب رؤساء الناديين وبيع الأوهام للجماهير وتزييف الحقائق هي ما جعل العامة من جماهير كرة القدم يمني النفس بالبطولة الأفريقية، وحينما فشلت الأندية في بلوغ المباراة النهائية سيطر الإحباط على القاعدة العريضة.
ما حققه الهلال والمريخ هذا العام من نتائج جدير بالتقدير من الدولة والمجتمع والقاعدة الرياضية العريضة بالنظر لظروف السودان الاقتصادية التي تسوء يوماً بعد الآخر، واعتماد الناديين كلياً على جيوب الأفراد وما يدفعه رجال الأعمال “جمال الوالي” و”أشرف الكاردينال” من أجل الظهور الاجتماعي والوجاهة وبريق الإعلام وبعض الفوائد غير المباشرة التي يجنيها (التجار) من كرة القدم.. وقد أنهكت بلادنا اقتصادياً وأقعدتها الحرب عن النهوض وضربت عميقاً في وحدتها الداخلية، ورغم ذلك يبلغ فريقان نصف نهائي أكبر بطولة في القارة ألا يمثل هذا الحدث إنجازاً خارقاً لمنطق الأشياء.
فريق مثل الهلال تعرض (لتشليع) لأعمدته الرئيسية وبدأ مرحلة البناء بالاعتماد جزئياً على شباب صغار السن وبعض المحترفين الذين أثبتوا فشلهم لسوء الاختيار وغياب الرؤيا الفني، واعتماد رئيس نادي الهلال على أهواء أصدقائه والمحيطين به ابتغاء مصالح خاصة، فأقحم كشف الهلال بلاعبين أجانب من (العاطين) والمعطوبين ورغم ذلك بلغ نصف النهائي. والفريق يستبدل الأجهزة الفنية مثلما يستبدل رئيسه سياراته فقد بدأ البطولة بمدرب بلجيكي ثم جاء بمدرب وطني وأعقبه بوطني ثاني وثالث وأخيراً مدرب تونسي يعتبر من أفضل المدربين الأجانب.. عمل في ظروف صعبة كشف منقوص ولاعبون لم يختارهم لكشف الهلال وإصابات ضربت صفوف الفريق لسبب (فني) محض، ورغم ذلك في ثمانية أشهر حقق ما حقق من نتائج والآن بدأت عليه الحرب من أنصار رئيس النادي والمحيطين به، وغداً يرحل “الكوكي” نزولاً لرغبات مراكز القوة لا بسبب ضعف النتائج أو الكفاءة.
في المقابل تجد أن المريخ بعد تجارب عديدة فاشلة مع المحترفين استطاع ضم ثمانية أجانب من خيرة اللاعبين في أفريقيا وبمبالغ مالية كبيرة جداً واستفاد مدربه “دييجو غارزيتو” من فترته الفاشلة بالهلال، وبدأ في بناء فريق مريخي يمكنه الفوز العام القادم بأحد البطولتين الأفريقيتين!! بمراجعات فنية قليلة وسد الثغرات التي تكشفت.. مع الإبقاء على العجوز الفرنسي في الدكة الفنية.. والبطولات لا تحقق بالأماني، وليس بالضرورة أن تشترك في البطولات من أجل نيل الكؤوس والوصول للنهائي وأسبانيا التي قدمت لكرة القدم ريال مدريد وبرشلونة وفالنسيا عجزت عن الفوز بكأس العالم منذ 1930 وحتى 2010، حينما فازت بالكأس في جنوب أفريقيا.. وانجلترا التي يمثل الدوري الانجليزي أقوى مسابقة على ظهر الأرض فشلت منذ 1966 في الحصول على كأس أوروبا، بينما فازت دولة مثل اليونان بالبطولة الأوروبية وجاءت الدنمارك ضيفاً بعد انقسام يوغسلافيا لإكمال المنتخبات ولكنها فازت بالبطولة بسبب لاعبين أشقاء مايكل لاودروب وشقيقه براين لاودروب.. وهناك دول لا وجود لها في خارطة كرة القدم العالمية حققت بطولات كبيرة، فالمجر فازت من قبل بكأس العالم وكذلك البرغواي.. بينما فازت فرنسا بالكأس مرة واحدة عام 1998 حينما نظمت البطولة.. ولذلك مسألة فوز الفرق أو المنتخبات بالبطولات ليست معياراً.. ولو كان الحصول على الكؤوس هو الهدف الوحيد للاشتراك في المنافسات لما وجدت منافسات عديدة الرواج الحالي.. وخذوا العبرة من فريق (باريس) الذي يلعب في صفوفه أفضل اللاعبين وينفق عليه العرب أموالاً طائلة كل طموحه بلوغ المربع الذهبي في البطولة الأوروبية الكبرى.. ولم نشهد عويلاً وبكاءً في انجلترا لهزيمة أالمان يونايد من أرسنال ولا هزيمة السيتي من السيدة العجوزة الإيطالية جيفنتوس كما نفعل نحن في السودان.