الصادق الرزيقي

الحوار الوطني كيف؟!


> ليست هي المرة الأولى في تاريخ السودان التي يتداعى فيها الناس إلى الحوار ومناقشة القضايا الوطنية بتجرد ووطنية وإبداء الرغبة في جمع اللحمة وتوحيد الصف والاتفاق على الحد المعقول من التوافق في كيفية إدارة وحكم البلاد وانتشالها من الذي تعيشه في السياسة والأمن والاقتصاد وترقية وتطوير حياة المجتمع.
> الحوار الوطني لن يكون بأي حال من الأحوال هو الحوار السياسي، فهذا هو الظاهر والشاخص من هذه العملية الطويلة التي تحتاج إلى وقت أطول من الأشهر الثلاثة المقرر لها، لدينا الكثير من القضايا التي تحتاج إلى إمعان النظر والتحاور حولها توطئة للاتفاق بشأنها. فالسياسة جزء من حياتنا وليست كلها، وحتى مشكلتنا في السياسة لها أبعادها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، فنحن مجتمع يعيش حياة مركبة القضايا والأبعاد والجوانب ويحتاج إلى حلول تراعي هذه المعطيات وتتخذ في منهجها البحث عن حلول مركبة أيضاً.. فإذا ما أفردنا لغير السياسات فرصة للتحاور وجعلنا المجتمع كله ينطلق في تحاوراته وملأنا كل مكان بالنقاشات حول قضايانا في التنوع والهوية والثقافة وأثرها في العمل السياسي ودورها في تعقيد الأزمة الوطنية وكيفية الخروج منها، نكون قد قدمنا خدمة كبيرة لبلدنا وللأجيال القادمة، حيث تبدو الصورة الآن والوئام الوطني أبعد ما يكون عن التوافقات والقبول المتبادل بين أطراف الوطن المختلفة.
> كما قلنا هذه ليست المرة الأولى التي ينطلق فيها حوار بين السودانيين، فقبل الاستقلال وبعد سنين قليلة منه، جرى مثل هذا الحوار بأشكال مختلفة، لكن الحوار الذي دار في عام 1965م في مؤتمر المائدة المستديرة وما أعطيت من ضمانات وقتها للحركة الجنوبية المتمردة آنذاك بمساعدة إثيوبيا لمشاركة قياداتها ثم عودتهم سالمين، وانشغال الساحة الوطنية يومها بموجبات الحوار وموضوعاته وتفاصيل ما يدور في الجلسات والتصاق عامة الناس بفحوى ما يحدث، لهو محفز لنا جميعاً أن يكون حوارنا اليوم أكثر تفاعلاً وأصدق تعبيراً عن الحالة السودانية عندما تسمو فوق حظوظ الأنفس والمرارات والضغائن والإحن والمطامع الشخصية والذاتيات.
> هذه فرصة لن تتكرر في التاريخ لوطن يريد أن يكفكف دموعه ويحقن دماء أبنائه وينطلق بقوة في مضمار التنمية والنهضة والبناء.. لكن الملاحظ أن الكثيرين منا ينظرون للحوار كأنه يجري في كوكب آخر خارج المجموعة الشمسية، لا أحد غير السياسيين ينفعل به، وتتفوق سائل الإعلام على نفسها في طمره وعدم إعطائه ما ينبغي من اهتمام، ويبرع كثير من الساسة في إلباس الحوار الزي الذي يريدون، وبعضهم يشارك فيه من منطلق ما سيحققه له من منافع ومصالح، وهذه آفة الحوار. ينبغي تجريده من أي مطمح ومطمع سياسي أو شخصي، حتى ينتج ثماره المرجوة. فلو تركناه فقط لأهل السياسة سيكون مقصوراً على قضاياهم، ولدينا جميعاً كمجتمع وشعب دور في الحوار وفوائد وعوائد نجنيها منه، أقلها إننا سنطرح كل إشكالاتنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والهوية وغيرها على طاولة البحث، لننظر أي نظام حكم نريد، وأي نظام إداري وتعليمي واقتصادي يفيدنا ويصعد بوطننا إلى مراقي التطور والتقدم.. فليس كل شيء هو موجود في المحاور المحددة للحوار، وعلى الأمانة العامة وقبلها السيد رئيس الحوار الوطني، فتح المجال لقطاعات كثيرة للمساهمة فيه والمشاركة في التعبير عن قضايا الأمة لموافاة غايات المؤتمر الكبرى.
> وغير بعيد من كل هذا، هناك من ينظر إلينا في الخارج على أمل أن يكون هذا المؤتمر هو بداية الحل لمشكلات السودان المعقدة ونقطة انطلاق جديدة، كما أن هناك من يتمنى الفشل وضياع السانحة الثمينة التي تلوح كما خيط من شعاع في أفقنا الملبد بالغيوم السوداء، فالكيفية التي يُدار بها الحوار الوطني، وطبيعة مناقشة المحاور المختلفة وموضوعات الخلاف بين الفرقاء السودانيين، وتحمُّلنا واتساع صدورنا ومعقولية الأطروحات التي تقدم، والابتعاد عن التعصب السياسي والجهوي والمناطقي، هي كلها بمثابة القنطرة التي نعبر فوقها من واقعنا الراهن إلى مستقبل مشرق جديد.
> فلو درى كل السودانيين المعارضين والحاكمين، أهمية الحوار، وعوَّلوا عليه في رؤية سودان حديث مبرأ من نقائص وأمراض الحروب والتخلف، فإننا لا بد خارجون إلى العالم بوجهنا الصبوح وخلقنا الكريم وبدورنا التاريخي الذي ظللنا نلعبه في محيطنا القاري ووسط أمتنا العربية والإسلامية ومع دول العالم التي تنتظرنا.
> هذه فرصة نادرة.. وغالية.. ثمينة.. وربما.. يتيمة.. يجب ألا تفلت من بين أيدينا!!


تعليق واحد