يوسف عبد المنان

عجيب أمرك


خيب البروفيسور “إبراهيم أحمد عمر” آمالنا في تغيير مفاهيمنا في مهام واختصاصات البرلمان.. ولم نشعر في الفترة القصيرة التي تولى فيها شيخ الإسلاميين وحكيمهم أن ثمة برلمان جديد.. بمفاهيم عصرية مدركاً لواجباته المنصوص عليها في الدستور.. حامياً وحارساً لمصالح الجماهير التي انتخبته في أبريل من العام الجاري.. وكثير من الأحلام والتطلعات تقمعها حقائق الواقع على الأرض وتأثير دولة الموظفين على حداة التغيير والرافعين لشعاراته.. من يقرأ تصريحات قادة البرلمان من رؤساء لجان ونواب رئيس وحتى أعضاء عاديين يكتشف (التخليط) المنهجي في مهام واختصاصات البرلماني.. بين ما هو مركزي وما هو ولائي؟؟ نائب برلماني يتوعد هيئة الحج والعمرة بالمحاسبة والحل وإعفاء (موظف) خدمة مدنية من منصبه.. ونائب برلماني آخر يقول إن المجلس الوطني بصدد إسقاط الزيادات التي أعلنتها إدارة النقل والبترول في أسعار تذاكر السفر بين العاصمة والولايات.. ورئيس لجنة الشؤون الاجتماعية بالبرلمان (يدخل) في لجة مشادة كلامية مع ضابط شرطة برتبة صغيرة في مدينة سواكن ويخرج رئيس اللجنة غاضباً من مدير جمارك ميناء سواكن بسبب تعامل قيل إنه (استعلائي) من قبل ذلك الضابط بحق النواب.. وتوعد السيد رئيس اللجنة باستدعاء وزير الداخلية!!
تلك بضع أخبار وتعليقات على ما يصدر من سلوك وما يقوله نواب الشعب للصحافة التي تنقل ما يقولون بغض النظر عن معقوليته (وتفحيص وتمحيص) التصريحات، عملاً بمقولة السائقين للواري تحمل البضاعة تم تحويرها لتصبح بصات تنقل البشر ويكتبون على جدرانها عبارة (العفش داخل البص مسؤولية صاحبه)!! لذلك إذا طالب نائب برلماني بإعفاء موظف خدمة مدنية تكتب الصحافة تلك المطالبة ولا تسأل النائب عن صلاحياته وسلطاته التي تخول له فصل الموظفين ومحاسبتهم.. ولما كان البرلمان خجولاً ومؤدباً في تناول أمهات القضايا فإنه يشغل نفسه بالنوافل والمستحبات ولا يجرؤ على الحديث عن الفرائض، ودونكم قضية الحوار الوطني التي تشغل الساحة الآن بين توقعات بمشاركة حاملي السلاح ورفضهم ما هو دور البرلمان السياسي في قضية الحوار الوطني؟! وهل يستطيع البرلمان عقد جلسة خاصة عن قضية السلام في السودان ويطالب الحكومة باتخاذ خطوات عملية نحو تحقيق السلام؟؟ وهل يستطيع البرلمان استدعاء المسؤولين الذين اتخذوا قرار مشاركة السودان في حرب عاصفة الحزم باليمن.. ومثل هذا القرار بنص الدستور يفترض أن يوافق عليه البرلمان الذي هو الآن آخر من يعلم كيف اتخذ القرار وما هي تبعاته؟؟ الآن الجهاز التنفيذي مقبل على عقد مؤتمر لمراجعة الحكم الاتحادي وفق تصميم مسبق يمنح المركز حق تعيين الولاة وتعيين الوزراء والمعتمدين.. وتحديد عدد المحليات في كل ولاية ليصبح الوالي مجرد (موظف كبير) يهلل ويكبر في جوقة من الناس لا يعرف إلى أية جهة هو مساق!!
إن وظيفة النائب البرلماني في الرقابة يشوبها تشويش و(غبش) وقد أعلن قبل أيام جهراً عن قرار يمنح النواب تقديم طلبات للوزراء للمصادقة بالخدمات في دوائرهم.. وتم الإعلان المسيء جداً للنواب في الصحف وبكل أسف لم يحتج منهم أحد على ذلك وارتضوا التقليل من شأنهم والطعن في ذمتهم وتصويرهم كالمتسولين في أزقة الجهاز التنفيذي، وهم بذلك راضون أو مغلوبون على أمرهم.. وشيخهم وكبيرهم البروفيسور “إبراهيم أحمد” تشغله المشاركات الخارجية وما أكثرها.. واللقاءات مع السفراء والمبعوثين عن ترتيب بيت البرلمان الداخلي ورسم خارطة طريق للبرلمان للرقابة على الجهاز التنفيذي ولكن كيف ولماذا؟؟ وأين تبدأ صلاحيات النائب وأين تنتهي؟؟ وما هي أولويات البرلمان في كل مرحلة بدلاً من حالة التوهان المفاهيمي للنواب كما هو ماثل الآن من تصريحات وأقوال وأفعال وأخيراً مشادات بين نواب الشعب وموظفي الدولة.


تعليق واحد