مقالات متنوعة

منى عبدالفتاح : التماس العدل والمساواة من داعش!


يحكى أنه اختصم رجلان إلى جحا حيث ادعى أحدهما ـ وكان رجلا بخيلاـ على صاحبه أنه أكل خبزه على رائحة شوائه، وطالب الرجل بثمن الشواء الذي لم يأكله.
سأل جحا البخيل: وكم ثمن الشواء الذي تريده من الرجل؟ البخيل: ربع دينار.
طلب جحا من الرجل دينارا ورنه على الأرض ثم أعاده إلى صاحبه قائلا للبخيل: إن رنين المال ثمن كاف لرائحة الشواء.
حدثت حكاية جحا هذه قبل ألف عام تقريبا، وتقتبس من ذات التراث القديم ولكن بعيدا عن الفكاهة، حكاية أخرى ملؤها الدهشة والألم.
حكاية هذه الأيام يختصم فيها المحكومون بصولجان داعش من بخل قادته الذين ينفردون بالطعام الشهي والساخن، وخدمات التوصيل السريع بينما لا تداعب غير رائحته أنوف المحكومين.
وفيما روى كيفن سوليفان «خدمة واشنطن» في عمل خاص بصحيفة الشرق الأوسط الدولية هذه الحكاية بعنوان «الحياة تحت حكم داعش..الغنائم للحكام والرعب للمحكومين»، مبينا حجم التباين بين طبقتين متمايزتين خلقهما تنظيم داعش على المناطق التي قام بالسيطرة عليها في كل من سوريا والعراق.
ويبدو الحديث عن مجتمع وحشي يحكمه تنظيم أكثر وحشية موغلا في الغرابة نوعا ما، إذ يبرز السؤال عما هو المتوقع من تنظيم يقوم على النهب والسلب وجز الرؤوس.
حقيقة اندهشت بما يرجى من تنظيم داعش وهو يمارس سلوكه المرفوض، والمفترض المواصلة في رفضه جملة وتفصيلا.
فبينما لا يبدو أن هناك من يعترف رسميا بهذا التنظيم وما يقوله ويفعله، يناقش مثل هذا العمل الصحفي، تفاصيل الظلم والتمييز، إذ كيف يصعد كيان مرفوض وغير شرعي وغير معترف به، إلى مرتبة الأمر الواقع، وإلى الدرجة التي يترك الناس فيها الحديث عن رفضه ويناقشون تفاصيل التمييز بداخله.
وهذا التمييز أو اللاإنسانية في المعاملة أليست هي القاعدة العامة في أخلاق أعضاء التنظيم؟ هذا القول تطالب به نظم تعرف الشرائع الدينية والأخلاق والقوانين، وتعرف الله حقا وهو الحكم العدل.
من قبل نشر الكاتب البريطاني «باتريك كوكبرن» مقالة بصحيفة الإندبندنت البريطانية عن حياة العراقيين تحت سيطرة تنظيم داعش تحت عنوان «واقع وحشي للحياة في الموصل في ظل تنظيم داعش..نحن نموت»، ووصف تلك الحياة بأنها مزيج ما بين الحياة الطبيعية والمرعبة بالنسبة للسنيين أما المسيحيين واليزيديين فاضطروا إلى الفرار بعد أن صادر داعش منازلهم كنوع من الغنائم.
في ظل وضع كهذا، رصدت الصحف الكثير من معناة الناس في الموصل التي تدار بواسطة أمن تنظيم داعش المكون من جيش وشرطة وشرطة مرور إسلامية، وشرطة اقتصادية.
وأسوأ هذه الأجهزة هي جماعة الحسبة، حسبما ذكر عراقيون يتعرضون للملاحقة والتضييق عليهم في ممارسة حياتهم العادية.
وجماعة ديوان الحسبة هم رجال مسلحون، يرتدون ملابس عسكرية، يراقبون الشوارع ويتجولون في الأسواق.
إن مجرد المطالبة بإقامة العدل على الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم داعش، ثم المطالبة بالمساواة بين القادة المحتلين لهذه المناطق وبين رعاياهم، هي اعتراف صريح بهذا التنظيم، وإشارة إلى الموافقة على ما يفعله ويقوم به.
إذ ليس منطقيا أن يطالب تنظيم مغتصب بإقامة العدل على أرض محتلة، ولا مجال كذلك للاستغراب من مفارقات الحياة ببذخ للدواعش وعنت ومشقة للمحكومين بسياط من لهب.
يبدو أن الاستغراب لن ينتهي بانتهاء هذه السطور، ويتتابع الاستعجاب: لم لا تختلف الحياة بين قادة داعش ورعاياهم، وهل أدرك أهل تلك المناطق كما العديد من الدول العربية التي تفجرّت فيها ثورات الربيع العربي احتجاجا على سوء الحال والمآل، نظام حكم عادل، حتى ترجوه من تنظيملا ينتمي للعدل بأي سمة كانت!