الصادق الرزيقي

الممتنعون عن الحوار


> عدم مشاركة زعماء الأحزاب التقليدية السيد الصادق المهدي والسيد محمد عثمان الميرغني، لا يعني أن الحوار الوطني منقوص وخفيف الوزن، فالحوار عماده وركيزته هي القضايا التي يتم نقاشها والحوار بشأنها والنتائج التي تتمخض من جملة ما يم خلال الثلاثة أشهر القادمة، وهي العمر المحدد للحوار، ويمكن تمديده حتى يتوصل الجميع إلى ما يُخرج البلاد من الوهاد..
> فعدم مشاركة القادة السياسيين التقليديين رغم أهمية وجودهم بين عضوية الحوار ومعهم قادة الحركات المسلحة، لا يقلل من الفرص المتاحة للسودانيين للاتفاق على محددات وطنية تجعل من السهل استدامة النظام السياسي والتوجه الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة. فالحوار الوطني سينطلق بمن حضر وآمن به كوسيلة وحيدة لتسوية الخلافات وإنهاء النزاعات والصراعات، فهو قطار يمضي لمسافة طويلة يمكن لأي راغب في اللحاق به أن يلحق في أية محطة قبل الوصول إلى خاتمة المطاف. في مقابل ذلك، أضاع السيد الصادق المهدي بعدم حضوره رغم مباركته للحوار، سانحة ثمينة للغاية كان بالإمكان أن يقدم عصارة تجربته ومساهمته الفكرية والسياسية، ويضع خبراته أمام السودانيين وللأجيال اللاحقة من أجل مصلحة البلاد والعباد. فما من سياسي سوداني كتب وتحدث وشارك في ملتقيات ومؤتمرات، ووجد الفرص ليقول رأيه، مثل السيد الصادق المهدي. فعندما حانت اللحظة التاريخية الحاسمة التي يحتاجه الوطن فيها ليقول كلمته للتاريخ، يغيب عن هذا المحفل وقد كان هو الأقرب له، فغيابه هو تغييب ذاتي من طرفه لصوته ورأيه وحضوره.
> أما السيد محمد عثمان الميرغني، فقد تكون ظروفه الخاصة هي السبب وراء عدم مشاركته ومنعته من الحضور، فليس لديه رأي مخالف أو مناهض للحوار، فمهما يكن فإن وجوده بين أبناء وطنه وهو يقود حزباً له دوره التاريخي، كان سيعطي المؤتمر بُعداً آخر، وإن هذا الجيل الذي ينتمي إليه السيد محمد عثمان مناسبة أخرى لمعالجة القضايا الكاملة والمصيرية لهذا الوطن أفضل من هذا الائتمار الكبير الذي ينطلق السبت..
> أما الحركات المسلحة، فهي في نشأتها تنظيمات مسلحة تمردت على الدولة، وتعيش اليوم حالات ضياع وحيرة. فالعمل العسكري لم يأتِ بنتيجة، وفاقم من تعقيدات الأزمة السودانية وجعلها شائكة عصية على الحل، وتقف هذه الحركات عند مفترق طرق، إما أن تواصل عملها المسلح وهو ينتج مزيداً من الدمار والخراب والدم الهريق، أو تؤوب إلى الصواب وتختار الحوار والتفاوض والعمل السياسي بديلاً للقتال وتجلس إلى الطاولة وتُسهم من الآخرين في بناء السودان وأبعاده من السقوط عند السفح.
> وتبدو الصورة الراهنة بالنسبة للسياسيين والحركات المسلحة، مشوشة وغائمة غير واضحة المعالم، والسبب الرئيس فيها إنهم يغلِّبون المصالح الذاتية والمطامع الحزبية والتكسُّب والتربُّح السياسي بمواقفهم هذه فوق اعتبارات أخرى، في مقدمتها مصلحة الوطن ومواطنيه، فغياب الساسة المعارضين وقادة الحركات المسلحة مع كل الضمانات التي أعطيت، يجعلهم في مرمى الاتهام بأن أجندتهم ليست وطنية، فلو كانت كذلك، لشاركوا في الحوار مهما كانت الثقة ضعيفة في السلطة الحاكمة.. ولقالوا كلمتهم ومشوا..!
> لكن في ما يبدو أن الأحزاب عندنا والتنظيمات السياسية والحركات المسلحة، لا تزال في ضلالها القديم، تتنافس وتتصارع في اللاشيء على جراح البلاد ودمها النازف، لقد أدمى التنازع السياسي والعمل العسكري المخبول جسد الوطن وفتَّ في عضده. فالمتاح اليوم هو تضميد الجراح عبر الحوار وإيقاف الحروبات والعمل معاً من إجل إقرار نظام حكم يتم الوصول إليه بالانتخاب والتنافس السياسي المحض، واقتصاد يبعدنا من اقتصاد الحرب المعطوب وهوية سودانية جامعة تجعلنا وحدة واحدة وهم واحد ووجدان، وعلاقات خارجية فاعلة ومفيدة تخرجنا من الهيمنة والحصار والمقاطعات والعقوبات وتعيد لنا دورنا المفقود بين الأسرة الدولية.
> لكن يبدو أن الغياب لبعض القادة السياسيين والمتمردين، وراءه دوائر غربية صنعته وجعلتهم يصدقون ما يُقال منذ خمسة وعشرين سنة، أن النظام الحاكم في طريقه للنهاية ولم تتبقَ له سوى أيام معدودات لينهار ويسقط.. فهل ينتظر هؤلاء هذه الأحلام الذابلة.. أم يشرق الصواب السياسي في عقولهم ويحزموا أمتعتهم في مآب عتيد إلى الخرطوم؟..