الطاهر ساتي

غرفة حامد ..!!


:: لا جديد..عمنا حامد – كما شيخنا ود الشايقي الموثق في رائعة حبيبنا ود بادي – لم يعمل بنصائح جمعيات تنظيم الأسرة وإرشادتها الداعية إلى تنظيم النسل بحيث يتناسب (كم الإنجاب) مع (كيف الإعاشة).. بل، ملأ غرفته الوحيدة بالبنين والبنات لحد التكدس والزحام، ومع ذلك لم تتوقف زوجته عن الإنجاب.. وعاماً تلو الأخر( يجيها الحول وحول بي زول، ومرة تديها الهواده و ترمي زي زولين زياده )، أي كما يصف ود بادي حال زوجات شيخنا ود الشايقي..!!
:: لم يحتمل حامد ضيق الغرفة وضنك الحياة، وقصد شيخ القرية شاكياً وباحثا عن العلاج : ( يا شيخنا، الغرفة إتملت شفع، وضاقت بينا)، فسأله الشيخ : ( عندكم غنم ؟)، فأجابه بنعم، فأمره : ( دخل الغنم معاكم في الغرفة الليلة، وتعال لي بكره).. رجع حامد إلى داره حائراً، ونفذ أمر الشيخ ..وعند المساء، إمتلأت الغرفة بالبنين والبنات، ثم الغنم (زاد الطين بلة).. رجع إلى الشيخ فجر اليوم التالي شاكياً : ( يا شيخنا، والله الغرفة بقت أضيق من قد الإبرة، و كمان بقن عليّ كوراك الغنم والشفع)..!!
:: فتح الشيخ الكتاب وتحوقل وتبسمل، ثم أمر حامد هامساً : ( إمشي طلع الغنم الليلة وتعال لي بكره)..رجع حامد إلى داره، و أخرج الغنم من الغرفة كما أمره الشيخ، وتنفس الصعداء وكذلك الأبناء والبنات.. وناموا بهدوء حتى الفجر ..و فجراً قصد الشيخ ليتابع العلاج، فسأله : ( أها، الغرفة ما وسعت شوية بعد طلعتو منها الغنم؟)، فأجابه حامد فرحاً : ( بالحيل والله، وكمان إرتحنا من كوراك الغنم ونمنا لحد الصباح)، فحمد الشيخ ربه ورفع الفاتحة ثم خاطبه قائلاً : ( يلا قرَط على كده)..!!
:: وهكذا تقريباً علاج الحزب الحاكم لحال زعماء المعارضة والحركات حين يقصدونه شاكياً من (ضيق الوطن )..أي، يزدهم – بنهج دخلو الغنم في الغرفة – ضيقاً وضنكاً وبطشاً، ثم يفرج عنهم ويسعدهم قليلاً بنهج ( طلعوا الغنم)، ثم يودعهم مخاطباً : ( يلا قرًطوا على كده)، فيخرج الزعماء وهم شاكرين الحزب الحاكم بلسان حال قائل ( الحمد لله إرتحنا شوية)، ثم يسمون هذا النوع من العلاج ( بالإنفراج)..!!
:: منذ عام التمكين و حتى يوم الحوار الوطني هذا، فترة زمنية مقدارها ربع قرن، لم يُغير الحزب الحاكم (روشتة الدواء).. إذ يصرف لهم – عند اللزوم – أدوية تخديرية ومضادات حيوية من شاكلة ( دخلوا الغنم وطلعوا الغنم)..وهم يتجرعونها بمنتهى الطاعة و( الطيبة).. وما يحدث اليوم حدث كثيراً، وكان أخره قبل الإنتخابات الأخيرة بنصف عام تقريباً، إذ جمعهم الحزب الحاكم في بيت الضيافة ووعدهم بالحريات والتحول الديمقراطي والمشاركة في صناعة القرار الوطني، ثم قلب لهم ظهر المجن وسيطر على الدوائر الإنتخابية طولاً وعرضاً.. وهكذا ..!!
:: والمهم، ندع ما سبق ونناشد كل الأطراف و خاصة الحزب الحاكم ..ما آل عليه الحال العام في بلادنا يكشف أن إدمان المناورة في القضايا المصيرية غير مجدية، وقد يذهب بالناس والبلد إلى حال لن ينفع فيه العض على بنان الندم القائل : ( يا ريت لو كنا جادين).. وليست من الحكمة الرهان على مناورات ( دخل الغنم وطلع الغنم ) في حل قضايا البلد المصيرية من شاكلة السلام وعدم الإستقرار السياسي والتدهور الإقتصادي..وأن علاج تلك القضايا المصيرية بإرادة سودانية صادقة لا تقصي حزباً أو حركة خير من إنتظار مصير مجهول يمضي بالناس والبلد نحو الأسوأ.. سوريا أو ليبيا، على سبيل المثال ..!!