الطيب مصطفى

الحوار.. كيف نُقوِّم إعوجاجه؟


لن أبخس من خطاب الرئيس في فاتحة اجتماعهم الذي انعقد بالأمس بقاعة الصداقة، فقد حوى بعض التنازلات التي نرجو أن تحصد القوى السياسية خيرها وتنزل برداً وسلاماً وأمناً وتقدماً ونهضةً على بلادنا المأزومة، إن جرى تطبيقها بصدقٍ، سيما وأن قرارات شبيهة قد صدرت لكنها اصطدمت ببعض مطبات التنفيذ من بعض (المعوقين)، الأمر الذي يقتضي التزاماً أكثر صرامةً، وآليات أكثر إحكاماً تحت الرقابة الشخصية للرئيس .
بيد أن هناك ما أزعجني والأحزاب المعارضة، إن صح فإنه يجرد حديث الرئيس مما استبشرت به الأحزاب والقوى السياسية حول الحريات، فقد قال الرئيس ما يلي :
(كذلك أجدد التوجيه للسلطات المختصة في الولايات والمحليات في مختلف أرجاء السودان بتمكين الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني من ممارسة نشاطها السياسي السلمي الذي يرفد هذا الحوار ولا ينقضه).
لست أدري هل يقتصر التوجيه على الحديث حول الحوار بل أكثر من ذلك حول ما لا (ينقض) الحوار بما يعني أنه لا يجوز انتقاد الحوار بالصورة التي رتبته بها الحكومة ومؤتمرها الوطني؟.
على كل حال فإنني سأُحسن الظنَّ وأعتبر التوجيه متيحاً لحرية العمل السياسي السلمي في كل ضروب العمل الوطني، سيما وأن الفصل الثاني من الدستور يسمح بأكثر مما ورد في خطاب الرئيس، وسنرى حقيقة الأمر من خلال التجربة العملية خلال الأيام القليلة القادمة.
لا أشك مطلقاً في أنه لم يفت على
المراقبين جميعاً، وأحزاب الحكومة بما فيها الحزب الحاكم حقيقة أن المؤتمر الذي انعقد اليوم ووجه بعزلة إقليمية ودولية ينبغي أن لا يكابر المؤتمر الوطني و(يغالط) في أنها كانت كبيرة وتستدعي التحلي بالشجاعة المطلوبة لإعادة النظر في الممارسة السياسية بأخطائها الكارثية التي أفضت إلى تلك العزلة ولعل أكثر ما كان لافتاً غياب الاتحاد الأفريقي ومجلس السلم والأمن الأفريقي وآليته التي يرأسها ثابو أمبيكي والتي كانت على الدوام ومنذ سنوات جزءا من المشهد السياسي السوداني، ثم غياب الاتحاد الأوروبي والترويكا والأمم المتحدة.. لم يحضر غير الرئيس التشادي إدريس ديبي والأمين العام للجامعة العربية الجاهز للمشاركة في كل محفل مهما قل شأنه.
داخلياً غاب حوالى 30 حزباً كانت قد شاركت في الاجتماع الأول في يناير 2014، خاصة تحالف القوى الوطنية وأحزاب (قوت) والسيد الصادق المهدي برمزيته الكبيرة، بالإضافة إلى حوالى 30 حزباً كانت مقاطعة منذ البداية، بما يعني أن عدد المشاركين الآن أقل بكثير من الذين شاركوا في المؤتمر الأول، بالرغم من أننا كنا ننتظر أن يزيد عدد المشاركين بمرور الأيام عن عدد حضور المؤتمر الأول جراء الحراك السياسي الذي كان منتظراً أن يهيء المناخ للمقاطعين للانخراط في الحوار .
لا ينتطح عنزان في أن أهم أهداف الحوار التي ما انعقد إلا من أجل تحقيقها، أن يحقق السلام ويوقف الحرب التي أهلكت الحرث والنسل، وعطلت مسيرة السودان ودمرت منشآته وأضعفت اقتصاده، وقتلت بنيه وشردتهم، الأمر الذي جعل من أهم الأهداف التي نصت عليها خارطة الطريق أن يكون الحوار شاملاً.. للأسف ذلك ما لم يتحقق فعلاوة على الغياب الكثيف لكثير من الأحزاب، فإن الحركات المسلحة الكبرى تغيبت كذلك.
أعجب أن يعطل أحد أهم الأهداف السياسية وهو مشاركة الحركات المسلحة بسبب الاختلاف على الوسيلة التي يمكن أن تمكنها من المشاركة والمتمثلة في الحوار التحضيري الذي بسبب التعنت في أمر انعقاده في أديس أبابا غضب الاتحاد الأفريقي الأمر الذي أدى إلى غيابه عن مؤتمر الأمس، مما فاقم من العزلة وأغضب كثيرين من القوى الدولية التي تتأثر بتوصياته وشهادته.
من الواضح تماماً أن المؤتمر بشكله الحالي لن يحقق الأهداف التي عقد من أجلها، وبالتالي أرجو من الرئيس أن يعمد إلى تصحيح الأمر، فهو المعني بإصلاح الشأن والممارسة السياسية في البلاد، فنحن لا نريد للسودان إلا أن يتعافى من أزماته أما أنا على المستوى الشخصي فإنني أستطيع – لأسباب معلومة – أن أقسم بأنه ما من شخص يتعاطى السياسة في السودان أكثر حرصاً مني على نجاحه في قيادة السودان إلى بر الأمان، وتخليد اسمه في التاريخ.


‫2 تعليقات

  1. ليس من الحكمة أستعمال نفس الأدوات و المفاهيم الفاشلة لربع قرن من الزمان لتتوقع تغير النتائج و تحقيق النجاح !

    رئيسك يحكم منذ أن كانت مارغريت تاتشر في الحكم و الأتحاد السوفيتي قائم .

  2. انتظار ان يحدث التقدم و الخير للسودان علي ايدي الرئيس غير منطقي.

    من واقع 26 سنه لا امل.