تحقيقات وتقارير

الشعبي يتسيد المشهد .. و”الترابي” يسخر من “الطيب مصطفى”


رغم أن جدول أعمال المؤتمر كان يشير إلى أن دخول الرئيس “البشير” وبداية أعمال الجلسة الافتتاحية لمؤتمر الحوار الوطني عند الساعة العاشرة صباحاً، إلا أنه تأخر حتى العاشرة وخمس وعشرين دقيقة، سبقها ربكة واضحة في التعامل مع الإعلام وعدم السماح في البداية إلا بدخول مندوب واحد لكل صحيفة، الأمر الذي أحدث بلبلة وجلبة كبيرة خارج القاعة. واستمرت الربكة لتشمل عدم معرفة كل فئة أماكن الجلوس الخاصة بها، لدرجة أن أحد وزراء الدولة كان يسأل الصحفيين عن مكان جلوس الوزراء. لتترتب الأمور بدخول الرئيس ومرافقه الرئيس التشادي “إدريس ديبي” إلى القاعة وبدء البرنامج
لا خير في كثير من نجواهم
الشيخ الذي ابتدر الجلسة بالقرآن الكريم يبدو أنه اختار الآيات التي سيقرأها بعناية فقد ابتدر تلاوته بالآية الكريمة (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ). ومعلوم رمزية هذه الآية في الأجواء التي تعيشها القاعة، وأردفها بآية تحمل معنى التذكير بالتناجي بالخير والإصلاح بين الناس (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا).
نجل “المهدي” يتغزل في “البشير” ووالده غائب
لا شك أن أبرز الغائبين هو رئيس حزب الأمة القومي وإمام الأنصار “الصادق المهدي”، لكن رمزيته كانت حاضرة بجلاء في الوجود الطاغي لنجله الأكبر العميد “عبد الرحمن” وهو يتقلد لقب أمير في كيان الأنصار، والذي ألقى كلمة في المؤتمر نالت الاستحسان والتصفيق، احتشدت بالثناء على الرئيس “البشير” وهو يخاطبه وفق أدبيات الأنصار قائلاً (أيها (الحبيب) “عمر” ستكون أنت الجراح الذي يداوي جروح الوطن). ولم يتناسَ “عبد الرحمن” صفته العسكرية محيياً قائده العسكري (فلك التحية عسكرية وسودانية). وامتدح نوايا “البشير” في حرصه على السلام والحوار ومشاركة الجميع فيه. وقال مخاطباً إياه (النية زاملة سيدا ولقد دعوت كل الناس للحوار ولم تقصر ولكن بعضهم اعتذر لظروفه).  وأبدى نجل “المهدي” ثقته في إدارة “البشير” للحوار ومقدرته على الصبر في انتظار قدوم الرافضين قائلاً (شيل الصبر وياها المحرية فيك).
(الشعبي ) كأم العروس
حضور طاغٍ داخل قاعة الصداقة  للحزب الذي كان قبل ما يزيد عن العام بعدة أشهر من أشد أحزاب المعارضة عداوة للنظام، قبل أن يتحول موقفه بشكل دراماتيكي للنقيض متأثراً بعوامل داخلية وكثير من العوامل الخارجية، فالمؤتمر الشعبي برمزية زعيمه عراب الحركة الإسلامية السودانية الدكتور “حسن الترابي”، كان كأنه (أم العروس) داخل القاعة، فقياداته كانوا يجوبون القاعة جيئة وذهاباً بدءاً من “عمار السجاد” مشرفاً على التنظيم داخل القاعة، ومدير مكتب “الترابي” “تاج الدين بانقا” الذي لم يجلس على كرسيه إلا قليلاً، أما “كمال عمر” فوصل به الاهتمام بالأمر لدرجة أنه كان يقف ليتحدث مع الفرقة الموسيقية التي قدمت برفقة عدد من الفنانين فاصلاً من الأغاني الوطنية. وحتى على مستوى الكلمات فقيادات الشعبي أكثر من وجدوا فرصاً للحديث ـ ربما أكثر من المؤتمر الوطني نفسه ـ فبخلاف كلمة الحزب الرسمية التي قدمها “الترابي” التي أشار خلالها إلى أن الحوار يتقدم درجة فدرجة رغم تطاول مداه، لكنه امتدح تجاوز القوى السياسية للقطيعة في ما بينها، مؤكداً أن النظام منذ أول جلسة بسط بعضاً من الحريات. وبعده  تحدث “محمد الأمين خليفة” بصفته رئيساً للجنة الحوار التابعة للجنة الحوار العليا مبتدراً كلمته بعبارة موحية يتداولها أهله في دارفور(جودية سنة  ولا موت يوم)، وأعقبه  القيادي بالحزب “أمين محمود” مقدماً كلمة منبر المجتمع المدني الدارفوري.
(الإصلاح الآن) حاضر رغم الغياب
موقف واضح أعلنه حزب حركة الإصلاح الآن بمقاطعة جلسات الحوار، لكن قبل بداية جلسة الحوار تفاجأ الصحفيون بدخول أحد أبرز قادة الحزب إلى القاعة وهو الدكتور “فضل الله أحمد عبد الله”، وكان دخولاً خلق العديد من علامات الاستفهام، لكن بمجرد أن احتل الرجل مكانه داخل القاعة تبددت تلك الاستفهامات، فبعد بحث بين اللافتات الموضوعة أمام كل مجموعة من المقاعد استقر به المقام أمام الجانب المخصص لـ(مديري الجامعات ومراكز البحوث) فالرجل عميد لكلية الدراما والمسرح بجامعة السودان، وهو ما أكده بعد ذلك للصحفيين بأنه جاء ممثلاً لجامعة السودان وليس حزبه. ولكن رغم ذلك بقي شيء من تساؤل (هل كان الرجل مجبراً للحضور ممثلاً للجامعة وهو لديه موقف مبدئي من المشاركة في جلسات المؤتمر؟).
مابين “الفهيم ” و “الغشيم”
حضور مميز لدارفور خارج وداخل القاعة، وحتى على مستوى الأمثال والحكم الشعبية الداعية للتعايش ونبذ الاقتتال، في وقت هي أحوج ما تكون لإنزال موروثها الشعبي إلى أرض الواقع. ممثل منبر المجتمع المدني الدارفوري د. “أمين محمود” وهو يدعو خلال خطابه لتحكيم صوت العقل والاحتكام للحوار، توسل بمقولة دارفورية مأثورة جعلت الرئيس “البشير” يستمع وهو يضحك، قائلاً (أهلنا بقولوا فهيم وقهيم بتحلوا عادي، وفهيم وغشيم بفوتوا للقاضي، وغشيم وغشيم بموتوا غادي).
(الأصل)  (غير الموحد) يشيد بخطاب “البشير”
الحزب الاتحادي (الأصل) وكما هو متوقع كان حاضراً، رغم الجدل والخلافات التي ظهرت حول المشاركة في الحوار  قبل بدء مؤتمر الحوار بأيام، ففي الجلسة الأولى كان نجل “الميرغني” ورئيس الحزب المكلف مساعد أول رئيس الجمهورية “الحسن الميرغني” حاضراً، وحل محله في الجلسة الثانية نائب رئيس الحزب الفريق “عبد الرحمن سعيد” الذي أشاد في تصريح لـ(المجهر) بخطاب الرئيس، مؤكداً أنه لبى كل تطلعات المشاركين في الحوار وكل تطلعات الشعب السوداني. وتساءل مستغرباً عن حديث البعض عن وجود مفاجآت سيجملها الخطاب. واعتبر أن من قاطع الحوار فهذا شأنه وأن الحوار لن يتوقف، لكنه شدد على ضرورة مواصلة الاتصال بالرافضين. وأقر “سعيد” بأن الاتحادي غير موحد تجاه المشاركة في الحوار، لكنه أشار إلى أن غالبية الحزب مع الحوار الوطني .
الرئيس يثور في وجه “مسار”
أشرف رئيس الجمهورية بنفسه ـ باعتباره رئيس مؤتمر الحوار ـ على توزيع فرص الحديث على قادة الأحزاب والمشاركين في المؤتمر، وحين هم “البشير” برفع الجلسة الثانية لأداء صلاة الظهر، رفع رئيس حزب الأمة الوطني “عبد الله مسار” صوته محتجاً على عدم منحه فرصة للحديث، فما كان من الرئيس إلا أن رد عليه بحزم وصرامة (يا عبد الله أنا عندي قائمة بأسماء المتحدثين وما حا أتجاوزا عشانك ولا عشان غيرك”). وأردفها بلهجة أشد صرامة (واضح الكلام ده ؟).
“الترابي” يسخر من “الطيب مصطفى”
سخر “الترابي” في تصريحات صحفية داخل القاعة  من رئيس منبر السلام العادل “الطيب مصطفى” وتغيبه عن الحوار قائلاً: (هذا الرجل اليوم زعلان وبكرة بيرضى). واستنكر “الترابي” الطريقة التي خاطب بها “مصطفى” الرئيس “البشير” في اجتماع الجمعية العمومية الماضية. وقال (كان يخاطب الرئيس قائلاً: يا ولدي (وأضاف ساخراً)، ياخي الرئيس لو قريبك ولا أخوك ولا نسيبك، فهنا لا يتم الحديث بهذه الطريقة فهنا الحديث عن قضايا البلد). وانتقد مقاطعته بسبب الحريات وقال: ( لما كان زمان ماسك تلفزيون البلد هل كان في حريات؟).

 

 

 

المجهر السياسي