جمال علي حسن

الحوار “جودية سنة ولا موت جنا”


مثل دارفوري عميق ومعتق كاف وشاف ابتدر به السيد محمد الأمين خليفة كلمته في جلسة الحوار الوطني أمس ليوقظ مزاج التصالح والتسامح والصبر على طريق السلام والوفاق السياسي بين أبناء السودان عبر الحوار الوطني الذي يتابعه المقاطعون باهتمام أكبر من اهتمام الكثير من المناصرين له أنفسهم.. يتابعونه ليس أملا ً في نجاحه لكن بحثاً عن ما يحقق لهم فرضية فشله المقررة عندهم مسبقاً، وبحثاً عن ما يوفر لهم مبررات لموقف الممانعة والمقاطعة غير المقنع لهم قبل أن يكون مقنعاً للآخرين
هذا الموقف خاطئ مبدئياً وخاطئ موضوعياً وخاطئ بكل المقاييس.. قل لي كيف؟.. لو افترضنا أن أسباب عدم مشاركة قادة الجبهة الثورية وأحزاب قوى نداء السودان في هذا الحوار ترتبط بضمانات سلامة المشاركين فتلك الضمانات مكفولة من جانب الحكومة، بتعهدات لا مجال لخرقها من نظام حاكم يبذل كل جهده في هذه المرحلة لتغيير الصورة المرسومة عنه في الذهن الدولي والإقليمي، نظام يفاوض أمريكا لتغيير موقفها في جنيف ويقدم تنازلات كبيرة لتكييف مواقفه ومواءمتها مع المواقف الإقليمية العربية.. لا يمكن أن يخون تعهداته بتوفير ضمانات للقادمين للحوار ويورط نفسه في لعنة عدم ثقة من الأصدقاء قبل الخصوم.
إذن أين هي المشكلة؟.. هل تكمن في تأثير المكان أو بيئة الحوار؟ إذا كانت هذه هي المشكلة فإنَّ ضمانات المشاركة تشمل ضمانات المغادرة والانسحاب من هذا الحوار متى ما شعر أي طرف مشارك كان قد جاء ليطرح أفكاره ويقدم رؤاه بأنه لم يجد بيئة مواتية أو عدالة في الفرص أو استعدادا للاستماع إلى أطروحاته أو أملا في تنفيذها ومن حقه أن يغادر قاعة الحوار ويحسب لنفسه بل يحسب الآخرون له جهد المشاركة في ميزان الاحترام السياسي والوطني له ولأفكاره ولمؤسسته الحزبية أو حركته المسلحة بل لخياراته بعد فشله في المشاركة بارتياح .
ما هي حجة عدم المشاركة؟.. سأقول لكم ما هي.. هذه القوى أو بعضها إن لم يكن معظمها لا يريد أن يمنح أو يقر للحزب الحاكم أو للرئيس البشير بفضل المبادرة في الحوار واحتضانه والتوصل إلى حلول تحت مظلة هذه المبادرة، لأنهم على يقين بأنه ليس هناك اختلاف كبير حول المخرجات والأهداف المطروحة فجميع الذين قدموا خطابات ومداخلات خلال جلسات الأمس طرحوا نفس الأفكار التي يحملها كل حامل سلاح أو حامل وثيقة معارضة سياسية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.
المخرجات واحدة.. تعددية وحريات وقبول آخر وحكم ديمقراطي رشيد ودولة مدنية يسودها القانون وسودان يسع الجميع بمختلف توجهاتهم السياسية والفكرية ومعتقداتهم الدينية..
جميع من شاركوا من الأحزاب والحركات قدموا هذه الأفكار فالجبهة الثورية تبنى أبو القاسم إمام أطروحاتها والحركات الدارفورية الأخرى تبنى الطاهر حجر طرحها وبالتالي لم تغب الأفكار والمطالب عن حوار الخرطوم بل غاب الأشخاص وطالما أن الرئيس جدد تعهداته بتنفيذ مخرجات الحوار فإن ورطة المقاطعين ستكون كبيرة لو حقق هذا الحوار نفس مشروعاتهم التي يتبنونها في ظل غيابهم..
ماذا سيكون موقفهم لو نجح هذا الحوار في تحقيق هذه المطالب جميعها وهم غير موجودين..؟ هل سيقومون بتأليف مطالب جديدة يبررون بها الاستمرار في مسار تجارة الحرب تلك..؟
غادروا منطقة الممانعة النفسية هذه فهي منطقة فاضحة ومفضوحة ولا تناسب من يتبنون الأفكار والأطروحات الإصلاحية الوطنية المتجردة، فمشاركة الطاهر حجر وأبو القاسم إمام وعبد الله يحيى من قادة الحركات المسلحة تزيدهم احتراماً لأنهم جاءوا يحملون نفس أطروحاتهم التي ظلوا يقاتلون لتحقيقها، فماذا خسروا؟

شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.