جمال علي حسن

حواريات


فكرة تخوين المشاركين في الحوار الوطني والتي يحاول البعض بثها غير لائقة بل هي فكرة إقصائية لا تصدر عن لسان مؤمن مبدءاً باحترام قدر الآخرين ومواقفهم، فتجنبوها وتبرأوا منها يا حملة لافتات الديمقراطية واحترام الرأي الآخر والموقف الآخر، كما أن الأحكام المتعجلة والجاهزة في وصف عملية الحوار التي انطلقت لتوها يوم السبت في الخرطوم هي الأخرى أحكام لا تصدر عن صاحب رأي علمي وموضوعي وحكيم ومنصف.. أما نظرية الطفولة التي كنا نمارسها جميعاً في دافوري الحي (يافيها يا أطفيها) فيمكن أن نتقبلها ونتفهمها حين تصدر من أطفال صغار يمارسون اللهو واللعب لكن من الصعب تقبلها وابتلاعها واحترام صاحبها حين يكون المقام مقام حوار وطني في مثل هذه الظروف التي تعيشها بلادنا .
سنظل نتفاءل بمخرجات هذا الحوار حتى يثبت لنا العكس.. نتفاءل به ولسنا مأمورين من أحد بتمجيد هذا الحوار لأنه الآن ليس ملكاً لأحد.. حتى الحكومة التي طرحت المبادرة لم يعد لها داخل قاعة الحوار بعد مجيء المشاركين فيه وتلبيتهم الدعوة لم يعد لها جعل أو سلطة داخل القاعة أكثر من الآخرين ..
كما أنه ليس من حق أحد من الرافضين للمشاركة في هذا الحوار أن يقلل من شأن الذين جاءوا وشاركوا فيه أو ينظر إليهم نظرة استخفاف بقدرهم أو وزنهم أو قيمتهم الوطنية.
ليس من حق أحد أن ينسف مخرجات حوار رفض هو تلبية دعوة مباشرة وجهت له للمشاركة فيه وليس من حقه أن يعتبر نفسه أنه هو الأصل وأن الآخرين (تقليد)..
نتفاءل بهذا الحوار أن يفعل فعله التصحيحي للكثير من الموازين الخاطئة، نتفاءل به لأنه يبدو جاداً وحواراً حقيقياً وليس مجرد مسرحية كما يزعم البعض ويتبادلون رسائل السخرية منه ويحاولون لصق هذه الديباجة أمام قاعته، ولو كانت فعلا مسرحية لأغلق صاحب المسرح بوابة مسرحه لحظة بدء العرض صباح يوم الحوار وقال: (البرا برا والجوة جوة ).. لكن طالما أن الدعوة متجددة والفرصة متاحة لأسابيع بل لثلاثة أشهر قادمة فهي فرصة كاملة لكل صاحب عقل وضمير وطني يريد أن يلتحق بهذا القطار أن يأتي.. وكل من يراجع موقفه لاحقاً خلال هذه الفترة ويتواضع أمام تصحيح هذا الموقف بكل نبل وقوة وثقة يأتي وسيجد نفسه طرفاً أساسياً في قلب هذه القاعة، هي ليست مسرحية وبصراحة ألاحظ كساداً كبيراً في بضاعة المعارضة من أجل المعارضة والرفض والتعنت والتشكيك في كل شيء.. بضاعة لم يعد يستهلكها الناس الآن، ومحفوظات مللنا من مطالعة مقالاتها والاستماع إلى مقاطعها الصوتية ومنهجها في تعقيد كل الحلول ورفض كل الخيارات.
لا مكان للإقصائيين الحاكمين والمعارضين على حد سواء.. والحكومة الآن أمام اختبار كبير مع نفسها ومنافسة لخيارات مفترضة من بعض المقاطعين الذين قالوا إن حوار الداخل لن ينجح في إحداث تغيير، الحكومة في تحد كبير مشهود ومتابع ومرصود من الجميع في الداخل والخارج وإقليميًا ودولياً، وهذا التحدي تواجهه قيادة هذا الحوار الوطني لتؤكد عملياً أن قضايا السودان يمكن معالجتها داخل السودان وليس خارجه يمكن الحل بأياد سودانية مهما تعقدت السبل ومهما كلف هذا الأمر من تنازلات لكنه وفي حالة نجاحه سيكون سابقة وتجربة مفيدة يمكن أن تهتدي بها الكثير من الدول العربية والأفريقية التي تواجه ظروفاً داخلية مشابهة.
سنسهم في الترويج لهذا الحوار الوطني متشرفين بذلك ومفتخرين بهذا السهم الضئيل سهم المناصرة لأننا كصحافة وشريحة مهنية أصحاب (وجعة) على الأقل في رفع سقف حرية التعبير وحرية النقد وحرية الصحافة، بجانب أملنا في زوال الوجع العام من جسد هذا الوطن الجريح.
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.