عبد الجليل سليمان

“ألكسيفيتش”.. تحديث الصحافة


وكما ورد في وسائل إعلام عديدة، فإن البيلاروسية الحائزة على (نوبل للآداب) ألكسيفيتش لهذه السنة، تُصنف ككاتبة (ريبورتاج أدبي)، ولأنها أول صحفية تفوز بهذه الجائزة الرفيعة، ينبغي علينا نحن المشتغلين في هذا الفضاء أن نحتفي بهذا الحدث الكبير، بأن نتسلهم منه ونستشف ما يعيننا على أداء مهمتنا وتجويدها وفرض حضورها على الأجناس الكتابية الأخرى. للأسف، لا زلنا متخلفين كثيراً عن الركب، لعوامل ذاتية متصلة ببيئة العمل التي نمارس فيها نشاطنا الصحافي، ولعوامل محيطة متعلقة بالإجراءات الرقابية الصارمة التي تفرضها الحكومة على الصحافة وكثيراً ما تصادر بها الهامش الضيق الذي تتيحه أحياناً، علاوة على ما يمكنني أن أسميه – بحذر – خللاً بنيوياً يكتنف صناعة الصحافة يتسبب فيه في الغالب من يمسكون بزمام أمورها. إلى الآن، تتسم الصحافة السودانية بقلة حيلتها وهوانها على نظيراتها في الخارج للأسباب التي أشرنا إليه سلفاً، مُضاف إليها ضعف جُل الكادر البشري وافتقاره للحدود الدنيا من الكفاءة اللازمة لتطوير المهنة، وهذا الضعف يعود في الغالب إلى تدهور التعليم العام والجامعي وغياب منهج التدريب أثناء العمل وتطوير ورفع القدرات. لازلنا، للأسف – إلا فيما ندر – نعيد تدوير وإنتاج صحافة تقليدية تعود إلى ستينيات وسبعينيات القرن المنصرم، وكلما ضلعنا واستغرقنا في ذلك تراجعنا خطوات إلى الوراء فيما يتقدم العالم من حولنا. الراصد للصحافة العالمية، لا يغفل عن أهمية (الحكايات والقصص)، وكذلك أهمية (البروفايل والفيتشر)، حتى أن الخبر أصبح يسمى (Story) (قصة)، كما لا يغفل عن ضرورة الاشتغال على (الريبورتاج) هو فن من فنون الكتابة الصحفية، يهدف إلى الإخبار وإعطاء المعلومة مع الاعتماد على الوصف وذلك بأسلوب أدبي متميز. وهو أيضا قالب صحفي مهمته الأساسية تصوير الحياة الإنسانية وإلقاء الضوء على علاقتها مع ربط ذلك كله بشكل غير مباشر، وبأسلوب ينتهج قدراً من الجمالية، وتحتاج كتابة الريبورتاج تحتاج إلى تفاصيل وأسلوب حي ذات مستوى فني جميل. يعرض شريحة من الواقع التي تدور حول حادثة واقعية بهدف جعلها فعالة من الناحية الصحفية، وهو أيضا يعالج أشخاصا حقيقيين ضمن ظروف معينة، وهو النوع الصحفي الأحسن والنسب لتجسيد المواضيع التي تقوم على الوصف الحيوي المباشر للوقائع والحقائق. بطبيعة الحال، فإن العمل الصحفي الجيد هو ذاك الذي يجعل القارئ يسمع ويرى ويشعر بما سمعه ورآه وأحس به الصحفي نفسه، وكأن الصحفي يعيره حواسه. هذا ما كانت تفعله كاتبة الريبورتاج الأدبي الفذة (سفيتلانا ألكسيفيتش) حيث وصفت لجنة نوبل كتاباتها بأنها اتسمت بالبحث الدقي حيث أجرت مئات المقابلات مع مئات من الناس، ووثقت لكثير من الذكريات والمخاوف والآمال التي تتحد مع بعضها؛ لتبوح بنوع من التاريخ العاطفي. فيما قالت هي: “غالبا ما كنت أفكر أن الحقيقة البسيطة، الحقيقة الميكانيكية أكثر قرباً من الوجدان”.