احلام مستغانمي

في الشارع !


رميت بخطاي دون تفكير وسط أفواج المارّة الذين يجوبون الشوارع هكذا كلّ يوم دون وجهة محدّدة.
هنا.. أنتَ تملك الخيار بين أن تمشي، أو تتّكئ على جدار، أو تجلس في مقهى لتتأمّل الذين يمشون أو يتّكئون أمامك.. على حائط الرصيف المقابل..
رحت أمشي..
شعرت في لحظةٍ ما، بأنّنا نطوف جميعًا حول هذه المدينة الصخرة، دون أن ندري تمامًا.. ماذا يجب أن نفعل بغضبنا، ماذا يجب أن نفعل ببؤسنا.. وعلى من نرمي هذه الحصى التي امتلأت بها جيوبنا الفارغة.
من الأَوْلى بالرّجم في هذا الوطن؟ من؟ أولئك الجالسون فوقنا؟ أم ذلك الجالس فوق الجميع؟
حضرَني لحظتها عنوان رواية لمالك حدَّاد.. «الأصفار تدور حول نفسها».
تمنّيت لو أنّني قرأتها، عساني أجد تفسيرًا لكلّ هذه الدوائر التي تَحوّلنا إليها.
ثمّ قادتني أفكاري إلى مشهد شاهدته يومًا في تونس لجمل مغمض العينين، يدور دون توقَّف في ساحة سيدي بو سعيد، ليستخرج الماء من بئر أمام متعة السيّاح ودهشتهم.
استوقفتني يومها عيناه اللّتان وضعوا عليهما غمامة ليتوهّم أنّه يمشي إلى الأمام دائمًا، ويموت دون أن يكتشف أنّه كان يدور في حلقة مفرغة.. وأنّه قضى عمره دائرًا حول نفسه!
تُرانا أصبحنا ذلك الجمل الذي لا يكاد ينتهي من دورة حتى يبدأ أخرى تدور به بطريقة أو بأخرى حول همومه الصغيرة اليوميّة؟!
تُرى هذه الجرائد التي تحمل لنا أكياسًا من الوعود بغدٍ أفضل، تخفي عنّا صدمة الواقع وفجيعة الفقر والبؤس الحتميّ الذي أصبح لأوّل مرّة يتربّص بنصف هذا الشعب؟
وأنا.. تراني لم أعد أعرف المشي إلى الأمام في خطٍّ مستقيم لا يعود بي تلقائيًّا إلى الوراء.. إلى هذا الوطن الذاكرة؟
وهذا الوطن.. من أين له هذه القدرة الخارقة على لَيِّ المستقيمات، وتحويلها إلى دوائر.. وأصفار!
” ذاكرة الجسد ” 1993 !